وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً منها فثمرته ضعيفة.
(الفصل الثاني) الذكر أفضل من الدعاء.
الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته.
فأين هذا من هذا؟
ولهذا جاء في الحديث «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته.
كما في حديث فضالة بن عبيد «أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يدعو بعد بما بشاء» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الحاكم في صحيحه.
وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} » وفي الترمذي «دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين} فإنه لم يدع بها مسلم قط إلا استجاب له» .
وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام، ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاء الكرب «لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» ومنه حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أهل السنن وابن حبان في صحيحه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يدعو وهو يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا