والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله، وقريب من الجنة وبعيد من النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده:
ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعاً سخاؤه
تغط بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه
وقارن إذا قارنت حراً فإنما يزين ويزري بالفتى قرناؤه
وأقلل إذا ما اسطعت قولاً فإنه إذا قل قول المرء قل خطاؤه
إذا قل مال المرء قل صديقه وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدري وأن كان حازماً أقدامه خير له أم وراؤه
إذا المرء لم يختر صديقاً لنفسه فناد به في الناس هذا جزاؤه
وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس ـ كما قال البعض من نقص عمله ـ حد الجود بذل الموجود.
ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما، وجاءت السنة بالنهي عنهما.
وإذا كان السخاء محموداً فمن وقف على حده سمي كريماً وكان للحمد مستوجباً، ومن قصر عنه كان بخيلاً وكان للذم مستوجباً، وقد روي في أثر: إن الله عز وجل أقسم بعزته ألا يجاوزه بخيل.
والسخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك، والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك.
فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئاً، لأنه سخا عما في أيديهم.
وهذا معنى قول بعضهم: السخاء أن تكون بمالك متبرعاً، وعن مال غيرك متورعاً.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أوحى الله إلى إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتدري لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا.
قال لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ.
وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله فإنه يعطي ولا يأخذ ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال.
وروى الترمذي في جامعه قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر أخبرنا خالد بن الياس عن صالح بن أبي