كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها» .
قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بإصبعه هكذا في جبته، فرأيته يوسعها ولا تسع.
ولما كان البخيل محبوساً عن الإحسان ممنوعاً عن البر والخير وكان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب.
فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها.
وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو.
والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها.
وقد قال تعالى {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ، كان عبد الرحمن بن عوف ـ أو سعد بن أبي وقاص ـ يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة: رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي.
فقيل له: أما تدعو بغير هذه الدعوة، فقال: إذا وقيت شح نفسي فقد أفلحت.
والفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والاحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل تمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصي شحه ووقي شره، وذلك هو المفلح {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} .