من ريح المسك» .

واحتج الشيخ أبو محمد بالحديث الذي فيه تقييد الطيب بيوم القيامة.

قلت: ويشهد لقوله الحديث المتفق عليه «والذي نفسي بيده ما من مكلوم يكلم في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى: اللون لون دم، والريح ريح المسك» فأخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رائحة كلم المكلوم في سبيل الله عز وجل بأنها كريح المسك يوم القيامة، وهو نظير اخباره عن خلوف فم الصائم، فإن الحس يدل على أن هذا دم في الدنيا وهذا خلوف له، ولكن يجعل الله تعالى رائحة هذا وهذا مسكاً يوم القيامة.

واحتج الشيخ أبو عمر بما ذكره أبو حاتم في صحيحه من تقييد ذلك بوقت إخلافه، وذلك يدل على أنه في الدنيا، فلما قيد المبتدأ وهو خلوف فم الصائم بالظروف وهو قوله حين يخلف كان الخبر عنه وهو قوله أطيب عند الله خبراً عنه في حال تقييده، فإن المبتدأ إذا تقيد بوصف أو حال أو ظرف كان الخبر عنه حال كونه مقيداً، فدل على أن طيبه عند الله تعالى ثابت حال إخلافه.

قال: وروى الحسن بن سفيان في مسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً» فذكر الحديث وقال فيه «وأما الثانية فإنهم يمسون وريح أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك» .

ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضى بفعله، على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة، حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته؟ وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.

ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلوماً بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015