الْجَواب: قَالَ أَبُو على مسكويه - رَحمَه الله: الْجزع من الْمَوْت على ضروب وَكَذَلِكَ الاسترسال إِلَيْهِ. وَبَعضه مَحْمُود وَبَعضه مَذْمُوم وَذَلِكَ أَن من الْحَيَاة مَا هُوَ جيد مَحْبُوب وَمِنْهَا مَا هُوَ ردىء مَكْرُوه فَيجب من ذَلِك أَن يكون ضدها الَّذِي هُوَ الْمَوْت بِحَسبِهِ: مِنْهُ مَا هُوَ حِيَال الْحَيَاة الجيدة وَلَا بُد من تَبْيِين هَذِه الْأَقْسَام ليبين سَبَب الْجزع والاسترسال وَأيهمَا أَعلَى فَأَقُول: إِن الْحَيَاة المقترنة بالآفات الْعَظِيمَة والمهن الهائلة والآلام الشَّدِيدَة: مثل أَن يسبي الرجل وَأَهله وَولده ويملكهم قوم أشرار حَتَّى يرى فِي أَهله وَولده مَا لَا طَاقَة لَهُ بِهِ ويسام فِي نَفسه وجسمه مَا لَا صَبر عَلَيْهِ وَيَقَع فِي الْأَمْرَاض الشَّدِيدَة الَّتِي لَا برْء مِنْهَا ويضطر إِلَى فعل قَبِيح بأصدقائه وبوالديه فَهَذَا كُله ردىء مَكْرُوه وَلَيْسَ أحد يخْتَار الْعَيْش فِيهِ وَلَا يُؤثر الْحَيَاة مَعَه فضده إِذا جيد مَحْبُوب لِأَن الْمَوْت أَمَام هَذِه المحن فِي مجاهدة عَدو يسوم هَذَا السّوم - موت مُخْتَار جيد. فَيجب بِحَسب هَذَا النّظر أَن نقُول: إِن تِلْكَ الْحَيَاة الْمَكْرُوهَة يسْتَحبّ فِيهَا الْمَوْت الَّذِي هِيَ ضِدّه فالاسترسال إِلَى هَذَا الْمَوْت جيد وَسَببه ظَاهر. وَكَذَلِكَ إِذا عكست الْحَال فَإِن الْحَيَاة المحبوبة والعيش المضبوط الَّتِي مَعهَا صِحَة الْبدن واعتدال المزاج وَوُجُود الْكِفَايَة من الْوُجُوه الجميلة والتمكن بِهَذِهِ الْأَشْيَاء من السَّعْي نَحْو السَّعَادَة القصوى وَتَحْصِيل الصُّورَة المكملة للْإنْسَان مَعَ مساعدة الإخوان الْفُضَلَاء وقرة الْعين بالأولاد النجباء والعز بالعشيرة وَأهل بَيت الصَّالِحين - كُله مَحْبُوب مُؤثر جيد. وَمُقَابِله إِذن الَّذِي هُوَ الْمَوْت ردىء مَكْرُوه لِأَن الْمَوْت يَنْقَطِع بِهِ