وَمن طبيعة المَاء إِذا ألحت عَلَيْهِ الْحَرَارَة بالطبخ أَن يتَحَلَّل لطيفه إِلَى البخار وَيقبل الْبَاقِي أثرا من الملوحة فَإِن زَادَت الْحَرَارَة ودامت صَار ذَلِك المَاء شَدِيد الملوحة ثمَّ انْتهى فِي آخر الْأَمر إِلَى المرارة. وَأَصْحَاب الصَّنْعَة يدبرون مَاء لَهُم بالنَّار ويدبرون حَتَّى يكثر تردده على النَّار فَيصير - بذلك - المَاء حاراً يضْرب إِلَى المرارة.
(مَسْأَلَة إِذا كَانَ المرئي لَا يدْرك إِلَّا بِآلَة وَتلك هِيَ الْحس)
فَمَا تَقول فِيمَا يرَاهُ النَّائِم ألم يُدْرِكهُ من غير حس وَلَا انبثاث شُعَاع وَلَا أَعمال آلَة. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: قد كُنَّا بَينا فِي مَسْأَلَة الرويا وَمَا أحببنا بِهِ عَنْهَا مَا فِيهِ غَنِي عَن تكلّف الْجَواب عَن هَذِه الْمَسْأَلَة. وَلَكنَّا نذْكر جملَة وَهُوَ أَن الْحَواس كلهَا ترتقي إِلَى قُوَّة يُقَال لَهَا الْحس الْمُشْتَرك. وَهَذَا الْحس يقبل الْآثَار من الْحَواس ويحفظها عَلَيْهَا فِي قُوَّة الَّتِي تعرف بالوهم. فَإِذا غَابَ المحسوس أحضرت هَذِه الْقُوَّة صُورَة ذَلِك المحسوس من الْوَهم: سَوَاء كَانَ مرئياً أَو مسموعاً أَو غَيرهمَا من الصُّور المحسوسات. وَلَيْسَ يُمكن أَن يحصل فِي هَذِه الْقُوَّة شَيْء من الصُّور إِلَّا مَا قبلته وأخذته من الْحَواس. وَقد مر هَذَا الْكَلَام فِي الْموضع الَّذِي أذكرنا بِهِ مستقصى مَعَ الْكَلَام فِي حد المرئي وَمَا يتبعهُ.
مَسْأَلَة
لَا نخلو فِي طلبنا لعلم شَيْء من أَن نَكُون قد علمنَا ذَلِك الْمَطْلُوب أَو