الْمُقدمَات واستنتاج النتائج ثمَّ يعْمل أَعماله بحسبها سمي ناطقاً وعاقلاً وَمَا أشبه ذَلِك. وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْمَرَاتِب لَو قسمت مَرَاتِب كَثِيرَة. إِلَّا أَن الأولى فِي كل مَا جرى هَذَا المجرى أَن يقسم إِلَى: المبدأ وَالْوسط وَالنِّهَايَة كَمَا فعل ذَلِك بقوى الطبيعة فَإِن الْحَرَارَة والبرودة وَمَا جرى مجْراهَا إِنَّمَا تقسم إِلَى ثَلَاث مَرَاتِب أَعنِي الِابْتِدَاء وَالْوسط وَالنِّهَايَة. وَإِن كَانَت كل وَاحِد من هَذِه الْمَرَاتِب تَنْقَسِم أَيْضا. وَإِذا مَا تَأَمَّلت جَمِيع القوى وجدت الْأَمر فِيهَا جَارِيا هَذَا المجرى. فَأَما قَوْلك: هَل يجوز أَن تكون اثْنَتَيْنِ فَهِيَ إِنَّمَا تكون وَاحِدَة أَولا ثمَّ اثْنَتَيْنِ ثمَّ تستكمل فَتَصِير ثَلَاثًا وَقد شرح هَذَا.
(مَسْأَلَة لم صَار الْبَحْر فِي جَانب من الأَرْض)
الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه: لَوْلَا حِكْمَة عَظِيمَة اقْتَضَت أَن ينحسر المَاء عَن وَجه الأَرْض لَكَانَ الْأَمر الطبيعي يُوجب أَن يكون لابساً وَجه الأَرْض أجمعه حَتَّى تصير الأَرْض فِي وَسطه شَبيهَة بمح الْبيض وَالْمَاء حولهَا شَبِيها بالبياض والهواء مُحِيط بهما على مَا هُوَ مَوْجُود الْآن وَالنَّار مُحِيطَة بِالْجَمِيعِ ليَكُون الأثقل الأول بالمركز وَهُوَ الأَرْض فِي مَوْضِعه الْخَاص من المركز ويليه المَاء الَّذِي هُوَ أخف من الأَرْض وأثقل من الْهَوَاء ويليه الْهَوَاء ثمَّ النَّار على سوم الطباع. وَلَكِن لَو تركت هَذِه الْأَشْيَاء وسومها الطبيعي لم تكن على وَجه الأَرْض عمَارَة من نَبَات وحيوان وَبشر وبهيمة وطائر وَبَطلَت هَذِه