والمزاج السودوي مَعَه - أبدا - الْغم والمزاج الدموي مَعَه - أبدا - السرُور. وكما أَن الْأَدْوِيَة والأغذية يعرض مِنْهَا للمزاج هَذَا الْعَارِض وتتبعه حَرَكَة النَّفس فَكَذَلِك الحَدِيث والألحان وَصَوت الْآلَات من الأوتار والمزامير - تحرّك النَّفس أَيْضا وَيتبع ذَلِك حَرَكَة مزاج الْبدن لإتصال المزاج بِالنَّفسِ. وَلِأَنَّهُمَا متلازمان يُؤثر أَحدهمَا فِي الآخر وَيتبع فعل أَحدهمَا فعل الآخر.
(مَسْأَلَة لم صَار الْكذَّاب يصدق كثيرا والصادق يذب نَادرا وَهل ينْتَقل إلْف الصدْق إِلَى الْكَذِب)
وَهل يتَحَوَّل إلْف الْكَذِب إِلَى الصدْق أَن يَسْتَحِيل ذَلِك. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن الصدْق وَالْكذب يجريان من النَّفس مجْرى الصِّحَّة وَالْمَرَض لِأَن الصدْق لَهَا صِحَة مَا وَالْكذب مرض مَا. وَأَيْضًا فَإِن الصدْق من الْخَبَر يجْرِي مجْرى الصِّحَّة وَالْكذب مِنْهُ يجْرِي مجْرى الْمَرَض. فَكَمَا أَن الصِّحَّة من الْجِسْم أَكثر من الْمَرَض لِأَن الْمَرَض إِنَّمَا يكون فِي عُضْو أَو عضوين أَو ثَلَاثَة فَكَذَلِك الصِّحَّة فِي النَّفس أَكثر من الْمَرَض لِأَن الْمَرَض إِنَّمَا يكون مِنْهَا فِي قُوَّة أَو قوتين وَفِي خلق أَو خلقين. وكما أَن الْجِسْم لَو كثرت أمراض أَعْضَائِهِ أَو لَو توالت أمراض كَثِيرَة على عُضْو مِنْهُ لأبطلته وأعدمته فَكَذَلِك النَّفس لَو كثرت امراض قواها أَو توالت أمراض كَثِيرَة على قُوَّة وَاحِدَة لأهلكتها. وَإِنَّمَا الِاعْتِدَال الْمَوْضُوع لكل وَاحِد من الْجِسْم وَالنَّفس هُوَ الَّذِي يحفظ