الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: هَذِه الْمَسْأَلَة قد تقدم الْجَواب عَنْهَا كلامنا فِي سَبَب السرُور وَالْغَم حَيْثُ قُلْنَا: إِن النَّفس عِنْد السرُور تبسط الدَّم فِي الْعُرُوق إِلَى ظَاهر الْبدن وَإِنَّهَا عِنْد الْغم تحصره وبانحصار الْحَرَارَة إِلَى عمق الْبدن وَإِلَى منشئها من الْقلب مَا يكثر هُنَاكَ البخار الدخاني ويبرزه إِلَى ظَاهر الْبدن واشتقاق اسْم الْغم يدل على مَعْنَاهُ لِأَن الْقلب يلْحقهُ مَا يلْحق الشَّيْء الْحَار إِذا غم فَيمْنَع ذَلِك الْحَرَارَة من الانتشار والظهور إِلَى سطح الْبدن وَلذَلِك يتنفس الْإِنْسَان عِنْد الْغم تنفساً شَدِيدا كثيرا لحَاجَة الْقلب إِلَى هَوَاء يخرج عَنهُ الفضلة الدخانية الَّتِي فِيهِ ويجلب لَهُ هَوَاء آخر صافياً ينمي الْحَرَارَة ويروحها كالحال فِي النَّار الَّتِي من خَارج. وَهَاتَانِ الحالتان متلازمتان أَعنِي مزاج الْقلب وحركة النَّفس وَذَلِكَ أَنه عرض للنَّفس انقباض غارت الْحَرَارَة من أقطار الْبدن إِلَى عمقه. وَإِن اتّفق لمزاج الْبدن غؤور من الْحَرَارَة وانحصار إِلَى نَاحيَة الْقلب انقبضت النَّفس لِأَن أَحدهمَا ملازم للْآخر تَابع لَهُ وَلِهَذَا ظن قوم أَن النَّفس مزاج مَا وَظن آخَرُونَ أَنَّهَا حَال تَابِعَة لمزاج الْبدن. وَالْخمر وَمَا يجْرِي مجْراهَا من الْأَشْرِبَة والأدوية الَّتِي تبسط الْحَرَارَة بلطفها وتنميها وتنشرها إِلَى ظَاهر الْبدن - يعرض مِنْهَا السرُور والطرب والأدوية الَّتِي تبرد الْبدن وتقبض الْحَرَارَة يعرض مِنْهَا ضد ذَلِك.