الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن الْملك هُوَ صناعَة مقومة للمدنية حاملة للنَّاس على مصالحهم من شرائعهم وسياساتهم بالإيثار وبالإكراه وحافظة لمراتب النَّاس ومعايشهم لتجري على أفضل مَا يُمكن أَن تجْرِي عَلَيْهِ. وَإِذا كَانَت هَذِه الصِّنَاعَة فِي هَذِه الرُّتْبَة من الْعُلُوّ فَيَنْبَغِي أَن يكون صَاحبهَا مقتنياً للفضائل كلهَا فِي نَفسه فَإِن من لم يقوم نَفسه لم يقوم غَيره فَإِذا تهرب فِي نَفسه بِحُصُول الْفَضَائِل لَهُ أمكن أَن يهذب غَيره. وَحُصُول فَضَائِل النَّفس يكون أَولا بالعفة الَّتِي هِيَ تَقْوِيم الْقُوَّة الشهوية حَتَّى لَا تنَازع إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي وَتَكون حركتها إِلَى مَا يجب وكما يجب وعَلى الْحَال الَّتِي تجب. وَثَانِيا تَقْوِيم الْقُوَّة الغضبية حَتَّى تعتدل هَذِه الْقُوَّة أَيْضا فِي حركتها فيستعملها كَمَا يَنْبَغِي وعَلى من يَنْبَغِي وَفِي الْحَال الَّتِي تنبغي ويعدلها فِي طلب الْكَرَامَة وَاحْتِمَال الْأَذَى وَالصَّبْر على الهوان بِوَجْه وَجه والنزاع إِلَى الْكَرَامَة على الْقدر الَّذِي يَنْبَغِي وعَلى الشَّرَائِط الَّتِي وصفت فِي كتب الْأَخْلَاق. وَإِذا اعتدلت هَاتَانِ القوتان فِي الْإِنْسَان فَكَانَت حركتهما على مَا يجب معتدلة من غير إفراط وَلَا تَقْصِير - حصلت لَهُ الْعَدَالَة الَّتِي هِيَ ثَمَرَة الْفَضَائِل كلهَا. وبحصول هَذِه الْفَضَائِل تقوى النَّفس الناطقة وتستمر للْإنْسَان الصُّورَة الكمالية الَّتِي يسْتَحق بهَا أَن يكون سائس مَدِينَة أَو مدير بلد. وَمَتى لم تحصل هَذِه لَهُ فَيَنْبَغِي أَن يكون مسوساً بِغَيْرِهِ مُدبرا بِمن يقومه ويعدله. فَأَي شَيْء أقبح من عكس هَذِه الْحَال وإجرائها على غير وَجههَا وطباع الإنسانية تأبى الاعوجاج فِي الْأُمُور فَكيف الانتكاس وقلب الْأَشْيَاء عَن جهاتها.