فَأَما الَّذِي سوغ للفقهاء أَن يَقُولُوا فِي شَيْء وَاحِد إِنَّه حَلَال وَحرَام فَلِأَن ذَلِك الشَّيْء ترك واجتهاد النَّاس فِيهِ لمصْلحَة أُخْرَى تتَعَلَّق على هَذَا الْوَجْه بِالنَّاسِ وَذَاكَ أَن الِاجْتِهَاد لَا يكون فِي الْأَحْكَام مُتَسَاوِيا أَعنِي أَنه لَا يُؤَدِّي إِلَى أَمر وَاحِد كَمَا يكون ذَلِك فِي غير الْأَحْكَام من الْأُمُور الْوَاجِبَة. وَبَيَان هَذَا أَن كل من اجْتهد فِي إِصَابَة الْحق فِي أَن الله - تَعَالَى - وَاحِد فطريقه وَاحِد وَهُوَ - لَا محَالة - يجده إِذا وَفِي النّظر حَقه فَإِن عدل عَن النّظر الصَّحِيح ضل وتاه وَلم يجد مَطْلُوبه وَاسْتحق الْإِرْشَاد أَو الْعقُوبَة إِن عاند. وَلَيْسَ كَذَلِك الإجتهاد فِي الْأَحْكَام لِأَن بعض الْأَحْكَام يتَغَيَّر بِحَسب الزَّمَان وبحسب الْعَادة وعَلى قدر مصَالح النَّاس لِأَن الْأَحْكَام مَوْضُوعَة على الْعدْل الوضعي. وَرُبمَا كَانَت الْمصلحَة الْيَوْم فِي شَيْء وَغدا فِي شَيْء آخر وَكَانَت لزيد مصلحَة ولعمر مفْسدَة. وعَلى أَن الِاجْتِهَاد الَّذِي يجْرِي مجْرى التَّعَبُّد وَاخْتِيَار الطَّاعَة أَو لعُمُوم الْمصلحَة فِي النّظر والإجتهاد نَفسه لَا فِي الْأَمر الْمَطْلُوب - لَيْسَ يضر فِيهِ الْخَطَأ بعد أَن يَقع فِيهِ الإجتهاد موقعه مِثَال ذَلِك أَن المُرَاد من ضرب الكرة بالصولجان إِنَّمَا هُوَ الرياضة بالحركة فَلَيْسَ يضر أَن يخطىء الكرة وَلَا ينفع أَن يُصِيبهَا وَإِن كَانَ الحكم قد أَمر بِالضَّرْبِ والإصابة لِأَن غَرَضه كَانَ فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن دفن حَكِيم فِي بَريَّة دَفِينا وَقَالَ النَّاس: اطلبوه فَمن جده فَلهُ كَذَا. وَكَانَ غَرَضه فِي ذَلِك أَن يجْتَهد النَّاس مقادير اجتهادهم ليَكُون ذَلِك الطّلب عَائِدًا لَهُم بِمَنْفَعَة أُخْرَى غير وجود الدفين. فَإِنَّهُ لَا يضر أَيْضا فِي ذَلِك أَن يخطىء الدفين وَلَا ينفع أَن يُصِيبهُ. وَإِنَّمَا الْفَائِدَة فِي السَّعْي والطلب وَقد حصلت للطائفتين جَمِيعًا.