فَالْجَوَاب إِذن عَن أَمْثَال هَذِه الْمسَائِل أَن يُقَال: إِن الْعقل لَا يستحسن وَلَا يستقبح شَيْئا مِنْهَا إِلَّا بقرائن وشرائط. فَأَما هَذَا الْفِعْل بِعَيْنِه وَحده فَلَا يتأباه وَلَا يتقبله أَعنِي لَا يحكم فِيهِ بِحكم أبدي أولى كأحكامه الَّتِي عرفناها وأحطنا بهَا. وَهَكَذَا الْحَال فِي الْأَشْيَاء الَّتِي تعرف بِالْخَيرِ وَالشَّر فَإِن كثيرا من الْجُهَّال يعْتَقد أَن الْأَشْيَاء كلهَا منقسمة إِلَى هذَيْن. وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك. فَإِن الْيَسَار والتمكن من الدُّنْيَا لَيْسَ بِخَير وَلَا شَرّ حَتَّى ينظر فِي مَاذَا يَسْتَعْمِلهُ صَاحبه: فَإِن اسْتعْمل يسَاره وَمَاله فِي الْأَشْيَاء الَّتِي هِيَ خير فَإِن يسَاره خير وَإِن اسْتَعْملهُ فِي الشَّرّ فَهُوَ شَرّ. وَكَذَلِكَ كل شَيْء كَانَ صَالحا للشَّيْء ولضده فَلَيْسَ يُطلق عَلَيْهِ أَنه وَاحِد مِنْهُمَا بل الأولى أَن يُقَال: إِنَّه يصلح لَهما جَمِيعًا كالآلات الَّتِي يصلح بهَا وَيفْسد فَإِن الْآلَات لَا تُوصَف بِأَنَّهَا مصلحَة وَلَا مفْسدَة وَلَا تسمى أَيْضا بالصلاح وَالْفساد إِلَّا بعد أَن تسْتَعْمل. فَهَكَذَا يجب أَن يُقَال فِي الْأُمُور الَّتِي تستحسن أَو تستقبح فِي أَحْوَال وبحسب عادات إِنَّهَا لَيست حَسَنَة عِنْد الْعقل وَلَا قبيحة على الْإِطْلَاق حَتَّى يتَبَيَّن واضعها ومستعملها وزمانها فَإِن الْقصاص إِذا وَقع عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم حس لما فِيهِ من حَيَاة النَّاس وَإِذا وَقع عَلَيْهِ اسْم الْقَتْل بِغَيْر هَذَا الِاعْتِبَار صَار قبيحاً لما فِيهِ من تلف الْحَيَوَان.