من الْأَمْثِلَة وَالْأَحْوَال الْمقر فَإنَّا نعود فَنَقُول: إِذا ذبح الْحَيَوَان لَيْسَ من الْأَشْيَاء الَّتِي يأباها الْعقل وينكرها بل هُوَ من الْقَبِيل الآخر أَعنِي من الْأَشْيَاء الَّتِي يأباها بعض الطباع بِالْعَادَةِ. وَنحن نشاهد من يَأْبَى قتل الْحَيَوَان لِأَن عَادَته لم تجر بِهِ وَمَتى جرت بِهِ عَادَته هان عَلَيْهِ وَسَهل فعله وَجرى مجْرى سَائِر الْأَفْعَال عِنْد أَصْحَابه. وَأَنت ترى القصاب والجزار بل مشاهدي الحروب يهون عَلَيْهِم مَا يصعب على غَيرهم. وَأَيْضًا فَإِن الْحَيَوَان الَّذِي يألم بِمَرَض لَا يعرف علاجه إِذا أشْفق عَلَيْهِ الْعَاقِل وَكره مقاساته لما لَا علاج لَهُ يَأْمر بذَبْحه ليَكُون خُلَاصَة فِي الْمَوْت الْوَحْي. أفترى الْعقل الَّذِي أَمر بذَبْحه يستحسن مَا كَانَ مستقبحاً لَهُ أم تغير فعله الأبدي بطارىء طَرَأَ وحادث حدث مَعَ اعترافنا بِأَن الْعقل لَيْسَ من شَأْنه ذَلِك لِأَنَّهُ جَوْهَر أبدي وجوهره هُوَ حكمه وَلذَلِك هُوَ أبدي الحكم. فإننا لَا نظن بِأَن حكم الْعقل على الْعدَد والهندسة وَسَائِر الْبَرَاهِين الطبيعية تغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مُنْذُ عشرَة آلَاف سنة أَو يتَغَيَّر إِلَى مثل هَذَا الزَّمَان أَو أَكثر أَو أقل بل نثق بِأَنَّهُ أبدا كَانَ وَيكون على وتيرة وَاحِدَة. فَأَما الْأُمُور الَّتِي تستقبح مرّة وتستحسن أُخْرَى وتتأبى تَارَة وتتقبل ثَانِيَة فَإِنَّمَا لَهَا أَسبَاب أخر غير الْعقل الْمُجَرّد. فَإِن السياسات أبدا يعْتَرض فِيهَا ذَلِك وأمراض الْأَبدَان والأمور