بطبيعة الْبشر عَن استيعابه وبلوغ أقصاه أَو يشْغلهُ عَنهُ بنقائص تعوقه عَن التمَاس الْغَايَة القصوى من الْفَضَائِل البشرية.
(مَسْأَلَة سَأَلَ سَائل عَن النّظم والنثر وَعَن مرتبَة كل وَاحِد مِنْهُمَا)
ومزية أَحدهمَا وَنسبَة هَذَا إِلَى هَذَا وَعَن طَبَقَات النَّاس فيهمَا فقد قدم الْأَكْثَرُونَ النّظم على النثر وَلم يحتجوا فِيهِ بِظَاهِر القَوْل وأفادوا مَعَ ذَلِك بِهِ وجانبوا خفيات الْحَقِيقَة فِيهِ وَقدم الأقلون النثر وحاولوا الْحجَّاج فِيهِ. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن النّظم والنثر نَوْعَانِ قسيمان تَحت الْكَلَام وَالْكَلَام جنس لَهما. وَإِنَّمَا تصح الْقِسْمَة هَكَذَا: الْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى المنظوم وَغير المنظوم. وَغير المنظوم يَنْقَسِم إِلَى المسجوع. وَمِثَال ذَلِك مِمَّا جرت بِهِ عادتك أَن تَقول: الْكَلَام بِمَا هُوَ جنس يجْرِي مجْرى قَوْلك الْحَيّ. فَكَمَا أَن الْحَيّ يَنْقَسِم إِلَى النَّاطِق وَغير النَّاطِق. ثمَّ إِن غير النَّاطِق يَنْقَسِم إِلَى الطَّائِر وَغير الطَّائِر. وَلَا تزَال تقسمه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى آخر أَنْوَاعه. وَلما كَانَ النَّاطِق والطائر يَشْتَرِكَانِ فِي الْحَيّ الَّذِي هُوَ جنس لَهما ثمَّ ينْفَصل النَّاطِق عَن الطَّائِر بِفضل النُّطْق - فَكَذَلِك النّظم والنثر يَشْتَرِكَانِ فِي الْكَلَام الَّذِي هُوَ جنس لَهما ثمَّ ينْفَصل النّظم عَن النثر بِفضل الْوَزْن الَّذِي بِهِ صَار المنظوم منظوماً. وَلما كَانَ الْوَزْن حلية زَائِدَة وَصُورَة فاضلة على النثر صَار الشّعْر أفضل من النثر من جِهَة الْوَزْن. فَإِن اعْتبرت الْمعَانِي مُشْتَركَة