الرَّضَاع إِذا فقد أمه سمي يَتِيما من قبل الْأُم وَلم يمْتَنع إِطْلَاق ذَلِك عَلَيْهِ.
مَسْأَلَة
قَالَ الْمَأْمُون: إِنِّي لأعجب من أَمْرِي: أدبر آفَاق الأَرْض وأعجز عَن رقْعَة - يَعْنِي الشطرنج وَهَذَا معنى شَائِع فِي النَّاس فَمَا السَّبَب فِيهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عجب من خَفَاء السَّبَب. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن الصناعات لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِالْعلمِ الْمُتَقَدّم والمعرفة السَّابِقَة بهَا حَتَّى يُضَاف إِلَى ذَلِك الْعَمَل الدَّائِم والارتياض الْكثير وَإِلَّا لم يكن الْإِنْسَان ماهراً. والصانع هُوَ الماهر بصناعته. وَمِثَال ذَلِك الْكِتَابَة فَإِن الْعَالم بأصولها وَإِن كَانَ سَابق الْعلم غزير الْمعرفَة إِذا اخذ الْعلم وَلم تكن لَهُ دربة انْقَطع فِيهَا وَلم يَنْفَعهُ جَمِيع مَا تقدم من علمه بهَا. وَكَذَلِكَ حَال الْخياطَة وَالْبناء. وَبِالْجُمْلَةِ كل صناعَة مهنية كقيادة الْجَيْش ولقاء الأقران فِي الحروب لَيْسَ تَكْفِي فِيهَا الشجَاعَة وَلَا الْعلم بكيفيتها حَتَّى يحصل فِيهَا الارتياض والتدرب فَحِينَئِذٍ تصير صناعَة. وَلما كَانَ الشطرنج أحد الْأَشْيَاء الْجَارِيَة هَذَا المجرى من الصناعات لم يكتف فِيهِ بِالتَّدْبِيرِ وَلَا حسن التخيل وَلَا جودة الرأى حَتَّى تنضاف إِلَى ذَلِك مُبَاشرَة الْأَمر والدربة فِيهِ فَإِن لكل ضَرْبَة يتَغَيَّر بهَا شكل الشطرنج ضَرْبَة من الرسيل مُقَابلَة لَهَا إِمَّا على غَايَة الصَّوَاب وَإِمَّا بِخِلَافِهِ. وَيحْتَاج إِلَى ضبط جَمِيع ذَلِك وتخيل تِلْكَ الأشكال كلهَا ضَرْبَة بعد