فَأَما الجلاد والسياف فَلَهُمَا وَجه آخر من الْعذر وَهُوَ أَنَّهُمَا إِنَّمَا يأخذان أُجْرَة على صناعتهما وَإِن لم يوفياها حَقّهَا خشيا اللائمة وَالِاسْتِخْفَاف وَلَيْسَ يمكنهما تَوْفِيَة صناعتهما حقوقهما إِلَّا بإثارة الْغَضَب.
(مَسْأَلَة لم كَانَ الْيُتْم فِي النَّاس من قبل الْأَدَب وَفِي سَائِر الْحَيَوَان من قبل الْأُم)
فَإِن قلت: لِأَن الْأُم هَهُنَا كافلة فَإِن الْأَمر فِي النَّاس كَذَلِك وَفِيه سر غير هَذَا وَنظر فَوْقه. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ حَيَوَان مشارك للبهائم فِي هَذَا الْمَعْنى مُحْتَاج إِلَى مَا يقيمه من الأقوات الَّتِي تحفظ عَلَيْهِ حيوانيته. وَمن حَيْثُ هُوَ إِنْسَان مشارك للفلك فِي هَذَا الْمَعْنى يحْتَاج إِلَى مَا يبلغهُ هَذِه الدرجَة بالتعليم والتأديب لِأَن الْأَدَب يجْرِي من النَّفس مجْرى الْقُوت من الْبدن وَالَّذِي يقوم بِالْحَال الأولى وَهِي الْأُم وَالَّذِي يقوم لَهُ بِالْحَال الثَّانِيَة هُوَ الْأَب. وَلما كَانَت الْحَالة الثَّانِيَة أشرف أَحْوَاله وَهِي الَّتِي بهَا يصير هُوَ مَا هُوَ اعني أَن يصير إنْسَانا - وَجب أَن يكون يتمه من قبل أَبِيه. وَلما كَانَ سَائِر الْحَيَوَانَات كَمَا حيوانيتها فِي الْقُوت البدني وَجب أَن يكون يُتمهَا من قبل الْأُم. وَلَعَلَّ الْإِنْسَان قبل أَن يبلغ حد التَّعَلُّم من الْأَب وَفِي حَال حَاجته إِلَى