يتَفَاوَت مزاجه ويسرع هَلَاكه. فأنشئت لذَلِك أعصاب من الدِّمَاغ وَفرقت فِي جَمِيع الْبدن ونسجت بهَا الْأَعْضَاء الَّتِي تحْتَاج إِلَى إحساس كَمَا بَين ذَلِك فِي التشريح وَفِي مَنَافِع الْأَعْضَاء. فَكل مَوضِع من الْبدن فِيهِ عصب فهناك حس وكل مَوضِع خلا مِنْهُ فَلَا حس فِيهِ. وَلم يخل مِنْهُ إِلَّا مَا لَا حَاجَة بِهِ إِلَى حس. وَإِنَّمَا وفرت الأعصاب على الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة لتصير أذكى حسا ولتكون بِمَا يرد عَلَيْهَا من الْآفَات أسْرع إحساساً. وكل ذَلِك ليبادر إِلَى إِزَالَة مَا يجده من الْأَلَم بالعلاج وَلَا يغْفل عَنهُ بتوان وَلَا غَيره. وَلَو خلا الْإِنْسَان من الْحس وَمن الْأَلَم ومكانه لَكَانَ هَلَاكه وشيكاً من الْآفَات الْكَثِيرَة. وَأما الْحَال الملائمة فَلَا يحْتَاج إِلَى إحساس بهَا. وَهَذِه حَال جَمِيع الْحَواس الْخمس فِي أحوالها الطبيعية وانها لَا تحس بِمَا يلائمها وَإِنَّمَا تحس بِمَا لَا يُوَافِقهَا. أَقُول: إِن حس اللَّمْس الَّذِي هُوَ مُشْتَرك بِجَمِيعِ الْبدن إِنَّمَا يدْرك مَا زَاد أَو نقص عَن اعتداله الْمَوْضُوع لَهُ فَإِن الْبدن لَهُ اعْتِدَال من الْحَرَارَة مثلا فَإِذا لاقاه من حرارة الْهَوَاء مَا يلائمه وَيُوَافِقهُ لم يحس بِهِ أصلا. فَإِن خرج الْهَوَاء عَن ذَلِك الِاعْتِدَال الَّذِي للبدن إِمَّا إِلَى برد أَو حر أحس بِهِ فبادر إِلَى تلافيه وإصلاحه. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الْبرد والرطوبة واليبوسة. فَأَما سَائِر الْحَواس فَلِكُل وَاحِد مِنْهَا اعْتِدَال خَاص بِهِ لَا يحس بِمَا يلائمه وَإِنَّمَا يحس بِمَا يضاده ويزيله عَن اعتداله كَالْعَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تحس بالهواء وَبِكُل مَا لَا لون لَهُ وَلَا كَيْفيَّة تزيلها عَن اعتدالها. وَكَذَلِكَ السّمع وَبَاقِي الْحَواس. وَهَذَا بَاب مستقص فِي