وَصَارَت إِيَّاهَا كَمَا تفعل فِي المعقولات. وَهَذَا الْفِعْل لَهَا بِالذَّاتِ لَهُ تتحرك وَإِلَيْهِ تشتاق وَبِه تكمل إِلَّا أَنَّهَا تشرف بالمعقولات وَلَا تشرف بالمحسوسات. فَإِذا فعلت النَّفس ذَلِك واشتاقت إِلَى الطبيعيات والأجسام الطبيعة - رامت الطبيعة فِي الأجساد من الِاتِّحَاد مَا رامته النَّفس فِي الصُّور الْمُجَرَّدَة فَلَا يكون لَهَا سَبِيل إِلَيْهِ لِأَن الْجَسَد لَا يتَّصل بالجسد على سَبِيل الِاتِّحَاد بل على طَرِيق المماسة فَتحصل حِينَئِذٍ على الشوق إِلَى المماسة الَّتِي هِيَ اتِّحَاد جسماني بِحَسب استطاعتها. وَهَذَا من النَّفس غلط كَبِير وَخطأ عَظِيم لِأَنَّهَا تنتكس من الْحَال الْأَشْرَف إِلَى الْحَال الأدون وتتصور بِصُورَة طبيعية مِنْهَا أخذت وَبهَا ابتديت وتفوتها الصُّور الشَّرِيفَة الْعَقْلِيَّة الَّتِي ترتقي بهَا إِلَى الرُّتْبَة الْعليا والسعادة الْعُظْمَى. وَهَذَا الَّذِي ذكرته هُوَ الْأَمر الذاتي الْكُلِّي الْجَارِي على وتيرة طبيعية تحصرها الصِّنَاعَة وتضبطها القوانين. فَأَما الِاسْتِحْسَان العرضي والجزئي - أَعنِي مَا يستحسنه شخص مَا بِحَسب مزاج مَا - فَهُوَ أَيْضا لأجل نِسْبَة مَا وَلكنه يصير شخصياً والأمور الشخصية لَا نِهَايَة لَهَا فَلذَلِك لَا تَنْحَصِر تَحت صناعَة وَلَا لَهَا قانون. وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يعلم مِنْهَا أَن كل مزاج متباعد من الِاعْتِدَال تكون لَهُ مناسبات نَحْو أُمُور خَاصَّة بِهِ وَيُخَالِفهُ المزاج الَّذِي هُوَ مِنْهُ فِي الطّرف الآخر من الِاعْتِدَال حَتَّى يستقبح هَذَا مَا يستحسن هَذَا وبالضد وَكَذَلِكَ مَا تقيده الْعَادَات والاستشعارات وَهُوَ مَوْجُود فِي استلذاذ الْمَأْكُول والمشروب فَإِن الأمزجة الْبَعِيدَة من الِاعْتِدَال تناسب طعوماً غَرِيبَة