الرُّطُوبَة السيالة واليبوسة الصلبة وَلَا يُمكن إظهارها فِي الْمَادَّة الرّطبَة كَمَا لَا يُمكن صياغة خَاتم من شمع ذائب. وَرُبمَا كَانَت الْمَادَّة حاجزة من طَرِيق الكمية دون كَيْفيَّة فَلَا تتمّ الْخلقَة على أفضل الهيئات. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي شعر الرَّأْس وأهدب الْعين والحاجب فَإِنَّهَا لَا تنتقش على مَا يَنْبَغِي إِذا كَانَت نَاقِصَة الْمَادَّة أَو غير معتدلة فِي الكيفيات فتعمل الطبيعة مِنْهَا مَا يُمكن ويتأتى فتجىء الصُّورَة غير مَقْبُولَة عِنْد النَّفس لِأَنَّهَا لَا تطابق مَا عِنْدهَا من الْكَمَال. فَأَما وَأَنت تتأمل ذَلِك من طين الْخَتْم فَإِنَّهُ إِذا كَانَ نَاقص الكمية غير مِقْدَار الْخَاتم أَو يَابسا أَو رطبا أَو خشناً - نقصت صُورَة الْخَاتم وَلم يقبل النقش على التَّمام والكمال. فَأَما الْمِثَال فِي الْمَادَّة الْمُوَافقَة فَهُوَ بالضد من هَذَا الْمِثَال فَلذَلِك تقبل مَا تعطيها الطبيعة على التَّمام وتنتقش نقشاً صَحِيحا مناسباً مشاكلاً لما فِي النَّفس فَإِذا رأتها النَّفس سرتها لِأَنَّهَا فَكَمَا أَن الصِّنَاعَة تقتفي الطبيعة فَإِذا صنع الصَّانِع تمثالاً فِي مَادَّة مُوَافقَة فَقبلت مِنْهُ الصُّورَة الطبيعية تَامَّة صَحِيحَة: فَرح الصَّانِع وسر وأعجب وافتخر لصدق أَثَره وَخُرُوج مَا فِي قوته إِلَى الْفِعْل مُوَافقا لما فِي نَفسه وَلما عِنْد الطبيعة - فَكَذَلِك حَال الطبيعة مَعَ النَّفس لِأَن نِسْبَة الصِّنَاعَة إِلَى الطبيعة فِي اقتفائها إِيَّاهَا كنسبة الطبيعة إِلَى النَّفس فِي اقتفائها إِيَّاهَا. ثمَّ إِن شَاءَ من شَأْن النَّفس إِذا رَأَتْ صُورَة حَسَنَة متناسبة الْأَعْضَاء فِي الهيئات والمقادير والألوان وَسَائِر الْأَحْوَال مَقْبُولَة عِنْدهَا مُوَافقَة لما أعطتها الطبيعة - اشتاقت إِلَى الِاتِّحَاد بهَا فنزعتها من الْمَادَّة واستثبتها فِي ذَاتهَا