وَغَايَة مَا عِنْد هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي التَّحْدِيد إِبْدَال اسْم كَانَ اسْم بل رُبمَا كَانَ اسْم الشَّيْء أوضح من الْحَد الَّذِي يضعونه لَهُ. وَهَذِه سبيلهم فِي جَمِيع مَا يتكلفونه إِلَّا مَا كَانَ مأخوذاً من الْمُتَقَدِّمين ومنقولاً عَنْهُم نقلا صَحِيحا كَحَد الْجِسْم وَالْعرض وَمَا أشبههما. فَأَما مَا تكلفوه من الْحُدُود فَهُوَ بالهذيان أشبه. وَأَقُول إِن الْحَد مَأْخُوذ من جنس الشَّيْء الْمَحْدُود الْقَرِيب مِنْهُ وفصوله الذاتية المقمومة لَهُ المميزة إِيَّاه عَن غَيره. فَكل مَا لم يُوجد لَهُ جنس وَلَا فُصُول مقومه فَإِنَّمَا يرسم. والرسم يكون من الْخَواص اللَّازِمَة الَّتِي أشبه بالفصول الذاتية فَلذَلِك مَا نحد الْعلم بِأَنَّهُ إِدْرَاك صور الموجودات بِمَا هِيَ موجودات. وَلما كَانَت الصُّور على ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا فِي هيولى ومادة وَمِنْهَا مُجَرّدَة خَالِيَة من الْموَاد - صَار إِدْرَاك النَّفس أَيْضا على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا بالحواس وَهُوَ إِدْرَاكهَا لما كَانَ فِي مَادَّة. وَالْآخر بِغَيْر الْحَواس بل الْعين الْبَاطِنَة الروحانية الَّتِي تقدم الْكَلَام فِيهَا فِي بعض الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة. فاسم الْعلم خَاص بِإِدْرَاك الصُّور الَّتِي فِي غير مَادَّة. وَاسم الْمعرفَة خَاص بِإِدْرَاك الصُّور ذَوَات الْموَاد. ثمَّ يسْتَعْمل هَذَا مَكَان هَذَا الاتساع فِي اللُّغَة. ووجدتك دق اعترضت على أجوبة من لم ترتض جَوَابه باعتراضات يجوز أَن تظن أَنَّهَا لَازِمَة لجوابنا هَذَا فَلذَلِك احتجت إِلَى الْكَلَام عَلَيْهَا فَأَقُول: إِن من شَأْن الْحَد أَن ينعكس على الْمَحْدُود وَذَاكَ أَن الِاسْم وَالْحَد جَمِيعًا دالان على شَيْء وَاحِد لَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي أَن الِاسْم يدل دلَالَة مجملة وَالْحَد يدل دلَالَة مفصلة مِثَال ذَلِك أَن تَقول فِي حد الْجِسْم.