وَإِذا تصفحت ذَلِك وجدته أَكثر من أَن يُحْصى. وَإِن ارتقيت من الأمزجة إِلَى البسائط من الْأُمُور وجدت هَذَا مستمراً أَيْضا فِيهَا - أَعنِي المشاكلة والمحبة والمنافرة والعداوة - فَإِن بَين المَاء وَالنَّار من المنافرة والمعاداة وهرب كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه ليبعد عَنهُ ثمَّ ميل كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جنسه وَطَلَبه لشكله ليتصل بِهِ - أَمر لَا خَفَاء بِهِ على أحد. فَإِن انضاف إِلَى ذَلِك مزاج مُنَاسِب بتأليف مُوَافق ظهر السَّبَب وقوى كَمَا يُوجد حجر المغناطيس وَالْحَدِيد وَبَين حجري الْخلّ أَعنِي محب الْخلّ وباغض الْخلّ. وَفِي الْحَيَوَان من هَذَا الْمَعْنى شَيْء كثير بَين لَا يحْتَاج إِلَى تعديده وإطالة الْجَواب بِذكرِهِ. وَإِذا كَانَ اتِّفَاق الجسمين يُوجب الْمَوَدَّة بالجوهر وبالمزاج الْخَاص فكم بالحرى أَن يُوجِبهَا اتِّفَاق النفسين إِذا كَانَ بَينهمَا مُنَاسبَة ومشاكلة. وَأما الْأَسْبَاب العرضية فَهِيَ كَثِيرَة وَبَعضهَا أقوى من بعض: فأحد أَسبَاب الْمَوَدَّة العرضية الْعَادة والإلف. وَالثَّانِي الْأَمر النافع أَو المظنون بِهِ النَّفْع. وَالثَّالِث اللَّذَّة وَالرَّابِع الأمل وَالْخَامِس الصناعات والأغراض وَالسَّادِس الْمذَاهب والآراء وَالسَّابِع العصبيات. ثمَّ طول مكث أحد هَذِه الْأَسْبَاب وقصره عِلّة طول المودات وقصرها. وَمِثَال النافع مودات الأتباع أَو الخدم وأربابهم وَأَصْحَاب الشّركَة