وهذا الأمر مشاهد معروف عند أهل الهمم, إذ يستطيعون - بتوفيق الله لهم أولاً, وبهمتهم ثانياً - إنجاز كثير من الأعمال التي يستعظم بعضَها من قعدت به همته ويظنها خيالاً.
وأعظم مثال على هذا سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم, إذ المعروف عند أهل التواريخ أن بناء الأمم يحتاج إلى أجيال لتحقيقه, لكنه صلى الله عليه وسلم استطاع بناء خير أمة أُخرجت للناس في أقلَّ من ربع قرن, واستطاعت هذه الأمة أن تنير بالإسلام غالب الأجزاء المعروفة آنذاك, وجهاده صلى الله عليه وسلم وعمله وهمته العالية في بناء الأمة أمرّ معروف, وهو مما تقاصر عنه أطماع أهل الهمّة العالية وخيالاتهم وما يتطلعون إليه.
والصدِّيق رضي الله عنه استطاع - في أقل من سنتين - أن يخرج من دائرة حصار المرتدين, ولم يمت إلا وجيوشه تحاصر أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت, هذا وقد نهاه كبار الصحابة عن حرب المرتدين وظنوا أنه لا يستطيع أن يقوم في وجه العرب كلهم , ولكن همته العالية أبَتْ عليه ذلك واستطاع أن ينجز ما ظنه الناس خيالاً لا ينجز.
وقس على هذا أمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى أنه من عظمة همته في طلب الحق قال له علي رضي الله عنه:
((لقد أذللت الخلفاء من بعدك يا أمير المؤمنين)) (?).