300 - وحدث القاضي أبو علي التنوخي قال: حدثني أبو القاسم أبي قال حدثني أبي عن الحسين بن السميدع الأنطاكي قال كان عندنا بأنطاكية عامل من قبل أمير حلب، وكان له كاتب أحمق، فغرق في البحر شلنديان من مراكب المسلمين التي يقصدون فيها الروم، فكتب الكاتب عن صاحبه إلى الأمير بحلب: "بسم الله الرحمن الرحيم: أعلم الأمير أعزه الله أن شلنديين، أعني مركبين صفقا أي غرقا من خب البحر، أي من شدة موجه، فهلك من فيهما، أي تلفوا" فأجابه صاحب حلب: "ورد كتابك، أي وصل، وفهمناه أي قرأناه، فأدب كاتبك أي اصفعه، واستبدل به أي اصرفه، فإنه مائق أي أحمق، والسلام أي قد انقضى الكتاب".

301 - كان أبو سعيد بن ميدان ينشد دائماً:

متى كنَّ لي إنَّ السّوادَ خضابُ ... فيخفى بتبييضِ القرونِ شبابُ

وقيل له: إنه منى، فلم يقبل.

302 - وكان أبو طاهر الطرسوسي قد خدم العمدة أبا محمد بن مكرم على المطبخ، فقال له العمدة يوماً: هذا الخبز الذي يقدم على الطبق رديء فأحضر الخباز واصفعه على حمل مثله إليك، فقال: السمع والطاعة، وكان الخباز والد أبي طاهر، وهو له عاق وبه مشاق، فأحضره وتقدم به فصفع عشرين صفعة.

303 - ومن حكايات هذا الخباز مع ابنه: أن ابنه انتهى إلى أن رد إليه في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة عرض العسكر، وخلع عليه، فكان يجتاز في كل يوم بين السورين إلى دار الوزارة راكباً، وبين يديه الغلمان، فيقوم أبوه وهو خباز في دكان هناك. ويدعو له ويقول: زينك الله في عين السلطان، تلهياً به وإذكاراً له بنفسه.

304 - وقع بين القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وبين أبي طاهر الطرطوسي كلام ومشاجرة، فقال له القاضي في دار الوزارة: يقي الله السفل آباءهم.

305 - وسمعته ينشد دائماً:

وأنتَ تهذي بجملٍ مذنُ أزمانِ

فقلت له: يا هذا: منذ أزمان فقال: ما حفظته إلا كما أنشدته ولا أرجع عنه! فكنا نضحك منه ونتعجب منه! وكان معطلاً ذهرياً لا يصلي ولا يصوم، فقلت له يوماً: يا هذا أما تصلي تجملاً ورياءً إن لم يكن نية واعتقاداً! ما نصبر على مشاهدة هذا منك ولا نرضى به! فقال: نعم وصلى قاعداً متوجهاً إلى غير القبلة فقلت له: يا هذا ما توضأت قال: أن على وضوء، قلت: فما الصلاة إلى هذا الصوب فقال: قال الله تعالى (فأينما تولّوا فثَمَّ وَجهُ الله) فقلت له: إن لم تصل فأنت عارف بتأويل القرآن وقمت إليه فوجهته إلى القبلة مكرهاً.

ودخلت إليه وهو يجود نفسه فقلت له: تب يا هذا ما كنت تعتقد! فقال: اسكت عني ودعني. وأدار وجهه إلى الحائط، فنهضت عنه، لعنه الله.

306 - وحدثني أبي قال: كان من كتاب الإنشاء في أيام عضد الدولة وبعدها في أيام صمصام الدولة ابنه كاتب يعرف بأبي الحسين القمي، قال: فشاهدته في ديوان الإنشاء يكتب بين يدي جدي أبي إسحق أبو الفتح عثمان بن جني النحوي في الديوان، وجلس يتحدث مع جدي تارة، ومعي إذا اشتغل جدي أخرى، وكانت له عادة في حديثه بأن يلوز شفتيه ويشير بيده، فبقي أبو الحسين القمي شاخصاً ببصره، ويتعجب منه، فقال له أبو الفتح: ما بك يا أبا الحسين تحدق إلي النظر وتكثر مني العجب؟ فقال: ما هو؟ قال: شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث غليه ويقول ببوزه كذا وبيده كذا، بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة على شاطئ دجلة، فعل مثلما فعل مولاي الشيخ فامتعض أبو الفتح وقال له: ما هذا القول يا أبا الحسين أعزك الله، ومتى رأيتني أمزح فتمزح معي أو أمجن فتمجن بي، فلما رآه أبو الحسين قد حرد واشتط وغضب قال له: المعذرة إلى الله تعالى وإلى مولاي الشيخ، وقد صانه الله تعالى عن أن أشبهه بالقرد، وإنما شبهت القرد به، فضحك أبو الفتح وقال: ما أحسن ما اعتذرت، وعلم أبو الفتح أنها نادرة تشيع وكان يتحدث هو بها دائماً.

307 - وأخبرنا قال: اجتاز أبو الفتح يوماً وأبو الحسين في الديوان وبين يديه كانون فيه نار، واليوم شديد البرد، فقال له أبو الحسين: تعال أيها الشيخ إلى النير فقال له أبو الفتح وضحك: أعوذ بالله، والنير هو صماد البقر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015