265 - وحدث جعفر بن أبي نوح قال: حدثني أبي قال: كان جعفر بن محمود وزير المعتز ثقيلاً على قلبه إلا أنه لم يكن متمكناً من صرفه وتغيير أمره لأجل الأتراك، فدخلت يوماً على المعتز فنظر إلي نظراً علمت معه أنه يريد أن يلقي إلي شيئاً على خلوة، فتوقفت إلى أ، خلا مجلسه، ثم قال لي: رأيت يا عيسى أحداً ابتلي بما بليت به، لقد بلغ المكروه مني في نفسي وحرمي مبلغاً ما أطيق الصبر عليه! قلت: يبقي الله أمير المؤمنين ويصلح أموره، ما الذي ضاق صدراً به؟ قال: ويحك كنت جالساً خالياً ومعي عقد جوهر أنظمه لجاريتي فلانة، فلم أشعر إلا بدخول جعفر بن محمود ووقوفه بين يدي، وقال لي: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ قلت: إن فلانة جاريتي لطيفة الموقع من قلبي فأنا أنظم لها لهذا؛ فضحك وقال: هل علمت يا أمير المؤمنين أنها كانت ربيطتي ومحبة لي، وأرجو أن يملها أمير المؤمنين فيهبها لي! فتداخلني من الغيظ والحمية ما لم أملك معه أمري، وهممت أن أتقدم بقتله ولا أبالي ما جرى من بعده، ثم رجعت وصبرت واحتملت! فقلت: هذا رجل جاهل، والرأي ما رآه أمير المؤمنين وفعله.

266 - وحدث أبو علي نطاحة قال: أمل صالح بن شسرزاد على كاتب كتاباً إلى بعض العمال وقال فيما قال: "أبقاكما الله وحفظكما" فقال له الكاتب: يا سيدي الكتاب إلى واحدّ فقال له: فاجعله عني وعن شريكي! ولباذنجامة الكاتب في صالح:

حمارٌ في المتابة يدعيها ... كدعوى آل صخرٍ في زيادِ

فدّعْ عنك الكتابةَ لستَ منها ... ولو عرفتَ ثوبكَ بالمدادِ

وكيف يجوزُ في الكتاَّبِ فدمٌ ... عديمُ الفهمِ منخوبُ الفؤادِ

267 - حدث أبو العباس بن عمار قال: حدثني بعض المتأدبين من أهل سر من رأى ومن كتاب ديوان الخاتم ا، صالح بن شيرزاد دخل على بعض الوزراء فقال له: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، فقال: لست بالأمير ولا السلام على الأمراء كذاك! فقال: أعزك الله إذا دخلنا على أمثالك تصاعد الكلام في صدورنا حدوراً!

268 - وحكى أن أبا أيوب ابن أخت الوزير في أيام المعتصم كان من الحمق، وكان يقول بخلطة الجن له ومعرفته بهم ومعرفتهم به، وأوهم نفسه عشق جارية منهم تسمى "قرة العين"، وكان يطرح إلى جانبه مصلى لتجلس عليه معه، وزاد ذكره لها ولهجه بها حتى غارت داريته عز عليه من ذاك وهجرته وامتنعت من لقائه وكلامه! وركب يوماً إلى باب قوم فاستأذن عليهم وقال لهم: قد مات عامر من عمار داركم، وكان شيخاً صالحاً، وأريد أن أدخل وأعزي أهله به فأدخلوه، وصلى تحت سدرة في الدار أربع ركعات، ثم قال: عظم الله أجركم في أبي سعيد وأحسن عزاءكم! وانصرف.

269 - وحكى محمد بن موسى بن سيف قال: كنت أكتب لموسى بن عيسى بالبصرة، فوصل إليها فيل أهداه صاحب السند إلى الموفق، وكتب موسى بخبره إلى الموفق، فعاد الجواب بخط أبي العلاء صاعد بن مخلد وزير الموفق: "كتابي إليك بخطي، بين يدي الأمير أطال الله بقاءه وقد وصل كتابك في أمر الفيل، وسار خبره فر وصوله سالماً، وقد أمر الأمير أيده الله بأن يقاد الفيل على أصلح الطرق، حتى يؤمن عليه الخلل فيما يحتاج إليه، إن شاء الله! "

270 - قال: وكتب إلى عبيد الله بن سليمان، وقد مات له ميت: "أحب جعلني الله فداءك أن تكتب إلى صاحب الجسر في إطلاق إحضار نائحة ليشفوا غيظهم الليلة" فقال عبيد الله: فلم أعلم غيظهم على الله أم على ملك الموت! وكتب له بما أراد.

271 - وقرأ صاعد يوماً على الموفق كتاباً فلم يفهم معناه، وقرأه الموفق وفهمه، فقال فيه عيسى بن الفاسي:

أرى الدهرَ يمنعُ من جانبِه ... ويُهدي الحُظوظ إلى عائبهْ

وكم طالبٍ سبباً مجلباً ... فأعيا عناه على طالبهْ

ومن عجَب الدَّهرِ أنَّ الأمي ... ر أصبحَ أكتبَ من كاتبهْ

وله فيه أيضاً:

أتاني كتابانِ من صاعدٍ ... بمدح الرضى وبذمِّ الغضبْ

وتاريخ هذا وذا واحدٌ ... بيوم الخميس، في للعجبْ

فيا ليتَ شعري لماذا رضي ... وياليتَ شعي لماذا غضب!

272 - وكتب ابن الفيروزان المدائني إلى صاعد بن مخلد أبياتاً، وأهدي إليه هدية معها في يوم مهرجان، فأجابه صاعدٌ:

وصلت تحيفاتك ... في يوم مهرجانك

فلا عدمتُ بلاغتَك ... وطيب ريحانك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015