والشافعي وغيره يجوزون خلو الشهر الواحد عن الطهر الكامل بلا شك، واعتذروا عن الاعتداد بثلاثة أشهر بأن الصبر إلى سن اليأس حرج شديد، لأنه لا يرغب فيها إذ ذاك، فاكتفينا بالأشهر، لأن الغالب اشتمالها على ثلاثة أطهار، وقد ذكر المصنف هذا كله هناك، ولو استحضر المصنف هنا ما قالوه هناك لم يذكر ما ذكر.
قوله: فإن كان الذي عليها متتابعًا بنذر أو غيره، فإن كان بقدر ما يقع فيه في شهر صامته على الولاء، ثم مرة أخرى قبل السابع عشر، ثم مرة أخرى من السابع عشر، مثاله: عليها يومان، تصوم يومين متواليين والسابع عشر والثامن عشر، وتصوم بينهما يومين متتابعين. ولو كان عليها شهران متتابعان صامت مائة وأربعين يومًا على التوالي، أربعة أشهر لستة وخمسين يومًا، وعشرين يومًا لأربعة أيام. انتهى كلامه.
وهذا الضابط الذي ذكره ومثل له باليومين قد استدرك عليه الدرامي، وتبعه صاحب ((الحاوي الصغير)) فقال: محله إلى آخر اليوم السابع فقط. قال: وشرطه: أن يقع الصوم المتوسط بعد الثالث من صومها الأول وقبل السادس عشر، فتترك يومًا بعد الصوم الأول وهو الرابع في مثالنا، ويومًا قبل الأخير وهو السادس عشر في المثال المذكور، ثم تصوم بينهما، وحاصله: أنها تصوم مرتين متفرقتين في خمسة عشر، والمرة الثالثة من سابع عشر صومها الأول، وأما الثامن إلى آخر الرابع عشر فطريقها فيه: أن تصوم ستة عشر يومًا مع قدر المتتابع متواليًا، والخمسة عشر فاصعدًا حكمها يعلم مما ذكره في الشهرين.
قوله: ويحرم عليها الصلاة، ويسقط عنها فرضها، للإجماع، ويدل على السقوط ما رواه مسلم: ((أن معاذة سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقال: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكن أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)). ويحرم عليها الصوم، للإجماع، ومفهوم خبر عائشة يدل عليه. انتهى.
والخبر الذي نقله عن عائشة لا يدل بمنطوقه ولا بمفهومه على الترك، فإن العبادة قد يشرع فعلها ومع ذلك يجب قضاؤها لخلل فيها، وذلك كثير جدًا. سلمنا دلالة الخبر على الترك، لكن لا يدل على تحريم فعله وهو المدعى.
قوله: ثم ليس لتحريم الصوم عليها معنى معقول كما قال الإمام، ويدل عليه أن عائشة لما سئلت عن الفرق عدلت إلى النص، وقد قيل: المعنى فيه: أن يضعفها. انتهى كلامه.