مثل أن يرمي من الحرم سهمًا إلى صيد في الحل، أو يرسل عليه كلبًا، لأن كونه في الحرم يوجب تحريم الصيد عليه، كذا قال الأصحاب، وقد ألحقوا بذلك ما لو حبس صيدًا في الحرم وله فراخ في الحل، فماتت جوعًا، وقالوا: إنه يضمنها. وليس في كلام الشيخ تعرض لهاتين الصورتين، إلا أن يستعمل قوله: وصيد الحرم حرام، في معنيين مختلفين: وهو الاصطياد في الحرم، ونفس صيد الحرم، ولا يمكن ذلك، لأن اللفظ الواحد لا يستعمل كذلك، وأيضًا: فيعكر عليه قوله من بعد: فمن قبله منهما، فإنه يقوى أن مراده المعنى الثاني لا غير. انتهى كلامه.
واعلم أن تقرير المعنى الذي حاول حمل كلام الشيخ عليه: أن ((الصيد)) مصدر، والمصدر يصح إطلاقه على اسم المفعول مجازًا، كقولهم: درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، وحينئذٍ: فيصح أن يراد بالصيدٌ، المصيد مع إرادة المدلول الحقيقي وهو الاصطياد، وحاصله: الجمع في استعمال اللفظ الواحد بين حقيقته ومجازه. إذا علمت ذلك، فاعلم أن اذكره من عدم الإمكان، وتعليل ذلك بعدم جواز استعمال اللفظ الواحد كذلك- عجيب، فإن مذهب الشافعي- رضي الله عنه- جواز هذا الاستعمال، - كما هو مشهور عنه في أصول الفقه- وقد أوضحته في ((شرح منهاج الأصول))، وقد نقله- أيضًا- النووي في كتاب الأيمان من ((الروضة)) في الكلام على ما إذا حلف: لا يشتري.
قوله- نقلًا عن الشيخ-: ويحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم، أي: إذا كان رطبًا.
ثم قال: أما إذا كان الشجر قد حف، فقلعه- فلا شيء عليه، قال القاضي الحسين: كما إذا قطع الصيد الميت إربًا إربًا، قال الماوردي والبندنيجي: ولا فرق في ذلك بين أن يستهلكه أم لا. انتهى كلامه.
واعلم أن المسألة التي يتكلم فيها المصنف على كلام الشيخ إنما هي مسالة القلع- باللام- ما تقدم من عبارة الشيخ وعبارته أيضًا. والذي ذكره القاضي الحسين إنما هو القطع- بالطاء- ولهذا قاسه على قطع الصيد، وأين إحداهما من الأخرى؟! فإنه لا يلزم من جواز القطع جواز القلع، ويؤيده الحشيش اليابس، فإنه يجوز قطعه لا قلعه، ولم يتكلم في ((الروضة)) ولا في ((شرح المهذب)) على قلع اليابس، بل كلامه ربما يوهم المنع، فإنه إنما عبر بالقطع. نعم، ذكر الماودري أن قلعه جائز كما نقله عنه المصنف.