الحج، وما نقله عنه غلط لم أره في كلام أحد، فإن الأودني قائل بأن الحج لا يفسد، ولكن تفسد العمرة، لأنه لم يأت بشيء من أعمالها، هكذا ذكره البغوي والرافعي والنووي، وجميع من تعرض للنقل عنه، فالتبس الأمر على المصنف.
قوله: أما إذا جامع الصبي فقد تقدم ذكر الخلاف في أنه هل يفسد نسكه، أو لا بناء، على أنه يسلك بعمده مسلك عمد البالغ أم لا؟ ويظهر أن يكون جماع المجنون إذا صح إحرامه كذلك، ولو جامع ناسيًا أو جاهلًا فقد تقدم حكمه. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره في المجنون يقتضي أنه لم يقف فيه على نقل، وهو غريب، فإنه جريان قولي الناسي فيه مشهور في كتب المذهب، حتى في ((الرافعي)) وإن كان الرافعي قد مثل بما إذا أحرم عاقلًا ثم جن، لكنه لا فرق.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من أن وطء الناسي تقدم فصحيح، وموضعه في الباب السابق، وهو باب الإحرام، لا في هذا الباب، فإنه لم يذكره، وأما ذكره من تقدم وطء الجاهل فليس كذلك، فإنه لا ذكر له في الباب الذي نحن فيه. ولا فيما قبله.
قوله: ويجب عليه القضاء: أما في الحج، فلما روي أن رجلًا أفسد حجه، فسال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال: تقضي من قابل. ثم سأل ابن عباس- رضي الله عنهما- فقال: تقضي من قابل. ثم سأل ابن عمر- رضي الله عنهما- فقال مثل ما قالاه، ولا يعرف لهم مخالف. انتهى كلامه.
وهذه القصة التي ذكرها قد غلط في حكايتها، فإن عمر لا ذكر له فيها، وقد ذكر القصة جماعة من أصحابنا المحدثين والفقهاء، ومنهم البيهقي في ((سننه))، ونقله عنه النووي في ((شرح المهذب))، فروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رجلًا أتى عبد الله بن عمرو- يعني ابن العاص- فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهب معه فسألت ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلًا فحج وأهد، فرجع على عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره، فقال: اذهب على ابن عباس فاسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ما قالا. قال البيهقي: إسناده صحيح. قال: وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص من جده عبد الله بن عمرو. انتهى.