واعلم أنه إذا عدم الإزار، فإن تأتي الاتزار بالسراويل على هيئته فلا يجوز له لبسه بلا شك، كما في الارتداء بالقميص، وقد جزم به النووي في ((شرح المهذب))، وإن تأتى بعد فتقه جاز لبسه عند الأكثرين كما قاله الرافعي، فإنه نقل المنع عن الإمام والغزالي فقط.

ثم قال: لكن الأصح عند الأكثرين إنما هو الجواز. وذكر مثله في ((الشرح الصغير)) - أيضًا- وبالغ فيه النووي في ((شرح المهذب)) فحكى طريقين، وصحح طريقة القطع بالجواز، ونقلها عن الأكثرين.

إذا علمت ذلك علمت أن جميع ما قاله المصنف خطأ، فتأمله، وقد تفطن المصنف لبعضه، فكتب على حاشية الكتاب أن المنقول في مشاهير الكتب خلافه.

قوله: ويحرم عليه شم الأدهان المطيبة كدهن الورد والزنبق والبان المنشوش- وهو المغلي بالمسك ونحوه- بالقياس على المنصوص عليه. وقد أطلق الإمام الحكاية عن الشافعي: أن البان ودهنه ليس بطيب، وعن بعض المصنفين: أنه يعتبر عادة كل ناحية في طيبها، وقال: إنه فاسد، فإنه يشوش القواعد، وقال الغزالي: إنه غير بعيد. والأكثرون أطلقوا القول بأنه طيب، وقيده المصنف والماوردي والبغوي بأن يكون منشوشًا- وهو المغلي بالمسك ونحوه- وقالوا: إن البان غير المغلي ليس بطيب، قال الرافعي: ويشبه أن يكون من أطلق القول بأنه ليس بطيب، مراده: غير المنشوش، ومن أطلق بأنه طيب أراد: المنشوش. قلت: لكن كلام القاضي الحسين ينفي هذا الحمل، فإنه قال: البان يحرم على المحرم استعماله، سواء شمه، أو اتخذ منه الدهن واستعمله، أو عصر ماءه واستعمله. انتهى كلام ابن الرفعة.

فيه أمور:

أحدها: أن ما قاله الشيخ من تحريم شم الأدهان المطيبة، ووافقه عليه المصنف- مردود مخالف لكلامهم، لم أر أحدًا قد قال به، بل الذي قاله الأصحاب: أنا إذا قلنا: إن هذه الأدهان من الطيب، كان استعمالها حرامًا، هكذا عبروا به، ومنهم الشيخ في ((المهذب)) والنووي في ((شرحه)) له، والرافعي في كتبه، فلم يقل أحد منهم بتحريم الشم، بل الاستعمال، واستعمال مثلها إنما هو بالاستهلاك، ويؤيده تصريح المصنف تبعًا للأصحاب كلهم: أن شم ماء الورد لا يحرم.

الأمر الثاني: أن ما نقله عن الإمام عن بعض المصنفين، كلامه يقتضي أنه نقله في البان خاصة، وليس كذلك، بل حكاه- أعني الإمام- في كل طيب، فإنه بعد ذكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015