واجبة على المرء إذا تركها فإن عليه القضاء والكفارة، إلا واحدة وهو الإحرام لدخول مكة، فإنه واجب، ومن تركه فلا قضاء عليه ولا كفارة، إلا في مسألة واحدة قلتها تخريجًا: وهو أن رجلًا لو دخل مكة بغير إحرام ولم يكن حطابًا فلا قضاء عليه، وإن صار حطابًا فعليه القضاء في القول الذي لا يوجب الإحرام على الحطابين. هذا لفظ ((التخليص)) ومنه نقلت:
قوله: إحداها: أن يدخل لحاجة تتكرر كالحطابين والصيادين فلا يجب عليهم الإحرام، وقيل بطرد القولين، وقال في ((البحر)) عن صاحب ((التلخيص)): إنه قال: إن قلنا في غيرهم: لا يلزمهم الإحرام، فهؤلاء أولى، وإلا فوجهان. انتهى.
وهذا النقل عن صاحب ((التلخيص)) سهو، فإن حاصله: أنه حكى قولين فيمن لا يتكرر، وطريقة فيمن تكرر، إحداهما: الجزم، والثانية: ذات وجهين، وليس كذلك، فإن صاحب ((التلخيص)) جازم بالوجوب فيمن لا يتكرر، وجازم بحكاية قولين فيمن يتكرر، فإنه قال ما نصه: ويجب على كل من أراد دخول مكة للإحرام بحجة أو عمرة، إلا على واحد وهو المملوك، وفيه قول: أنه رخص للحطابين ومن دخلها لمنافع أهلها. هذا لفظه بحروفه، ثم راجعت ((البحر)) فوجدته إنما نقل ذلك عن صاحب ((الإفصاح))، ثم راجعت ((الإفصاح)) فوجدت الأمر فيه كما نقله في ((البحر)) عنه، إلا أنه لم يصرح بوجهين، بل قال: فيحتمل وجهين. هذا لفظه.
قوله: القسم الثاني: أن يدخلها مقاتلًا لباغٍ أو قاطع طريق، أو خائفًا من ظالم- فلا يلزمه الإحرام، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، ولو كان محرمًا لم يلبسه، وقد كان خائفًا من غدر الكفار وعدم قبولهم للصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان. انتهى كلامه.
وما ذكره- رحمه الله- في هذا الفصل قد ذكره- أيضًا- غيره، وفيه أمور:
أحدها: أن الاستدلال على عدم الوجوب في حق هؤلاء بلبس النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذهولٌ وغفلة، وذلك لأن من خصائصه- عليه الصلاة والسلام- جواز دخول مكة بغير إحرام على القول بالوجوب على غيره، كما ذكره الرافعي وغيره في كتاب النكاح.
الأمر الثاني: أن قوله: ولو كان محرمًا لم يلبسه، مع قول: وقد كان خائفًا من غدرهم- كلام متدافع غير مستقيم، فإن المحرم الخائف يباح له اللبس بلا خلاف. نعم، يستدل بما روى مسلم عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. هذا لفظ إحدى روايات مسلم.