قوله: تكره الصدقة بالفاضل عن الكفاية في الحال لمن لا يصبر على الإضافة، فأما من يصبر عليها فيستحب له ذلك، وهذه التفرقة بين الصابر وغيره هي التي أوردها البندنيجي والإمام والغزالي، وقد حكى المتولي ذلك وجهًا في المسألة وصححه، وحكى وراءه وجهين، أحدهما: الكراهية مطلقًا، والثاني: يستحب مطلقًا. وهما مذكوران في ((تعليق)) القاضي الحسين. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن ما نقله عن الإمام من كراهة التصدق لمن لا يصير ليس كذلك، بل الذي ذكره الإمام أنه لا يؤثر له، فقال نقلًا عن الأئمة: من رسخ دينه، ولاح يقينه، وظهرت ثقته بربه- فلا ينبغي له أن يدخر شيئًا لغده، وإن استشعر الرجل ضعفًا في نيته فلا يؤثر له- وهذه حالته- أن يتصدق بالقليل الذي معه ويبقى بعد التصدق جزوعًا سيئ الظن. هذا لفظه. نعم، ذكر الغزالي في ((الوسيط))، كما قاله المصنف، إلا أنه شرط في الاستحباب لمن يكون صابرًا: أن يترك قوت يومه. فعلى هذا: لو أصبح وكان شبعان واحتاج إلى العشاء فيستحب تركه.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن ((التتمة)) من الكراهية في حق من لا يصبر لم يذكره- أيضًا- فيها، والذي فيها إنما هو خلاف الأولى، فتأمله. نعم، حكى وجهًا: أنه يكره مطلقًا، ولولا طول عبارته لذكرتها.
الأمر الثالث: أن ما نقله عن القاضي من الخلاف في الكراهة ليس كذلك- أيضًا- فإن الذي ذكره إنما هو الخلاف في الاستحباب، فقال: هل يستحب الانخلاع من جميع ماله؟ اختلف فيه أصحابنا: منهم من قال: لا يستحب.
ثم قال: ومنهم من قال: يستحب. هذا كلامه.