بل لأنهم كانوا يعرفون ما قدموه من خدمات دينية وتضحيات. وكانوا على علم بتلك الظروف والعوامل التي يمكن أن تجعل الجزيرة العربية كلها تعترف بحكم قريش وولايتها، وهذا هو السبب الذي جعلهم يعترفون بأفضلية المهاجرين وتفوقهم حين ذكرهم أبو بكر بدقة الموقف وحساسيته، ولا شك أنهم كانوا في البداية يتمنون أن يشاركوا في السلطة العليا عن طريق اقتراحهم الذى يهدف إلى المصالحة، وهو الاقتراح القائل: " فمنكم أمير ومنا أمير "، وخورشيد جعل هذه الفقرة أمامه، ورأى أنها تدل على انتقال السلطة بين قريش والأنصار، وأنها تعني المشاركة في الحكم والسلطة، ثم هو من ناحية أخرى يرى أن اقتراح بشير بن سعد الخزرجي وأُسيد بن حضير الأوسي مخالف للأنصار وفي صالح قريش، ومن ناحية أخرى يدعي أن جميع قادة الأنصار أرادوا أن ينصبوا سعد بن عبادة الخزرجي خليفة، وحين لم يوفقوا في ذلك لم يرضوا فقط بالخليفة الأول، بل اتبعوا سياسة عدم التعاون معه طول مدة خلافته.
إن الشعور التاريخي والاحساس التاريخي للكاتب لم يوقفه ولم يمنعه من الحصول على معلومات من مراجع ضعيفة متحيزة زائفة، قدم على أساسها نظرياته فجاءت فاسدة، إن المؤرخين يتفقون جميعًا على أن ابن أبي الحديد واليعقوبي من مؤلفي الشيعة، لهذا فرواياتهم في حق الخلفاء الثلاثة غير مقبولة أساسًا، شريطة ألا تتصادم مع المراجع الأخرى. والأمر الثاني أن يتفق المؤلف مع روايات كتاب " الإمامة والسياسة " وهو كتاب مزيف، وحين يحيل القارىء إلى روايات الطبري فهو يأخذ جانب التحيز ولا يتبع أسلوب الحيدة، إنه يأخذ الروايات التي تحقق مطلبه فيذكرها ويصرف نظره ويتجاهل عن الروايات التي تخالف نظرياته، وأكبر جرم في كتاباته التاريخية هو أنه ينسب إلى أفراد وطبقات الأمة أعمالاً ونوايا لا يمكن أن يجد مصدرًا أو مرجعًا