مع أن المستشرقين وبعض المؤرخين الجدد يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسولاً للعرب دون غيرهم، وأن الرسالة التي حملها كانت قاصرة على منطقته التي عاش فيها، بل كانت وقفًا أيضًا على زمانه هو، وأكثر من هذا فإنهم يدعون بدعوى عجيبة وغريبة وهي أنه لا شرف له في المجىء بهذا " الانقلاب " أو " الثورة الإِسلامية " (1) لأن المجتمع العربي آنذاك كان متعطشًا لثورة اجتماعية وحركة إصلاحية أخلاقية، وحين وجد هذا المجتمع إمكانات قدوم مثل هذه الثورة الاجتماعية والأخلاقية في شكل الإسلام خطا خطوة للأمام فرحب أفراده به.
وهذا الادعاء بشطريه لا يوجد فيه تناقض فقط، بل إنه لا يقوم على محك التحليل والنقد التاريخي وسوف نقوم بتحليله بشطريه.
من بين مستشرقي العصر الحديث المشهورين " مونتجمري وات " وهو من المتعاطفين مع التاريخ الإسلامي، إلا أن إعجابه بالإِسلام لا يمنعه من أن يقدم من خلال كتاباته الاستعراضية تلك النظرية الخاطئة في حق الرسالة العالمية والنبوة العالمية لرسول الله بعد بحث وكد وجهد جهيد، وهو يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تشريفه للمدينة المنورة لم يعرض الإِسلام على يهود المدينة المقدسة لمدة طويلة ولم يقل للفئات الأخرى من غير المسلمين أن يدخلوا في الإِسلام، فلقد كانت رغبته وكان هدفه فقط هو أن يعترفوا به، كواحد من أنبياء الله " حتى يجد لنفسه شهادة تصديق " بين العرب على قبول رسالته، إلا أنهم لم يفعلوا هذا، وهكذا وبعد مدة كافية حين عرض عليهم الدعوة إلى الإسلام، فرفض اليهود قائلين له: إن الإِسلام هو دين العرب فقط، وليس لبقية الفئات والجماعات؛ لأنه ليس دينًا عالميًا، وحتى يرد على استدلال اليهود هذا عرض عليهم تصور الدين الإِبراهيمى، قائلاً بأن الإِسلام الذي جاء به والدين الذي يدعو إليه هو في الأصل الدين الحقيقي لأبي الأنبياء والجد الأكبر للعرب
_______
(1) ليس الإسلام إنقلابًا ولا ثورة بل دعوة ونبوة وإنما استعمل المؤلف مصطلحات المستشرقين فقط تهكمًا بهم!!