ويتضح من تحليل جميع الروايات أن الدولة الإِسلامية قامت باتخاذ إجراءات عسكرية ضد هذه القبائل اليهودية الثلاث نظرًا لأسباب سياسية كانت مسئوليتها كاملة تقع على كاهل القبائل المذكورة، فقد قاموا بمعارضة المعاهدة ونقضها قصدًا وعمدًا والعمل خلافًا لما جاء في موادها، وخلافًا لما وقّعوا عليه وأقروه، كما قاموا بارتكاب غدر واضح فاضح ضد الدولة التي تعهدوا رسميًا بمسئولية الدفاع عنها وحمايتها، وقد عوقبوا طبقًا لجرائمهم التي ارتكبوها وليس لأنهم يدينون باليهودية، ويتضح من المصادر -وهو ما يعترف به أيضًا مونتجمري وات ومن على شاكلته من المستشرقين- أنه رغم هذه الإجراءات فقد بقيت في المدينة المنورة أكثر من عشرين أسرة يهودية، ولم يثبت أبدًا ضدها أي إجراء سياسي في العهد النبوي، وفي عهد الخلافة بطولها، فلم تُسلب أموالهم ولا ثرواتهم، ولم يُستول على أملاكهم ولا على ممتلكاتهم، ولو كان هدف الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحصول على الأموال والغنائم لما سمح رسول الله بأن تأخذ القبائل التي نفاها أموالها ومنقولاتها وأمتعتها معها، ولما أعاد لهم قروضهم التي كانت لدى المسلمين.
وصحيح أن الأهمية الاقتصادية للممتلكات غير المنقولة أكثر، وفائدتها أعم، إلا أن الحقيقة أيضًا هي أن الأموال والأمتعة والأجناس التي حملها اليهود معهم كان من الممكن أن تمثل من ناحية أخرى عونًا ومددًا عظيمًا للمسلمين داخل دولتهم.
إن المستشرقين عمدوا إلى تضخيم الإجراءات العسكرية للدولة الإسلامية ضد اليهود إلا أن بعضهم بدأ الآن تدريجيًا في الاعتراف بالحق، رغم أن هذا الاعتراف يحمل بين طياته السمّ إلى حد ما.
يجب أن ننظر دائمًا إلى علاقات يهود المدينة في ضوء خلفية تشكيل الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وإلا فلن نحللها وننقدها بطريقة صحيحة.