في الشريعة والقانون، إذ كانا يتطابقان بالضرورة مع ظروف ومستلزمات الحالات والزمان وضرورات كل أمة، والمستشرقون قد أخطأوا، وجانبهم الصواب وهم يقسمون سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة إلى فترتين مختلفتين، طبقًا لغرضهم الدفين وهوى نفسهم الكمين، والتاريخ يثبت بصورة قاطعة أن سياسته صلى الله عليه وسلم مع القبائل اليهودية كانت من البداية وحتى النهاية تمضي على وتيرة واحدة.
يلزمنا لفهم النوعية الصحيحة للعلاقات السياسية للدولة الإِسلامية مع يهود المدينة أن نقف جيدًا على المعلومات الأولية والضرورية المتعلقة بتشكيل المجتمع الإِسلامي، وبناء وتطوير الدولة الإِسلامية في المدينة المنورة، وهي تلك الأمور التي كان ليهود المدينة صلة قريبة منها وعلاقة بها.
بعد الهجرة مباشرة قام صلى الله عليه وسلم عن طريق المؤاخاة بإقامة علاقة محكمة من الأخوة وعلاقة قوية من المحبة بين مهاجري مكة وأنصار المدينة، فأوجد بين هاتين الطبقتين من المسلمين فكرًا مستقلاً وانسجامًا وتناسقًا اجتماعيًّا وسياسيًا واقتصاديًا، وقضى هذا الأمر على جميع ما من شأنه أن يوجد تنافرًا داخليًا بين المجتمع أو يوجد بصيصا لدلالة " أنا وأنت " داخل المجتمع المسلم الذي قام على دلالة " نحن ".
وكانت هذه أول خطوة عملية وربما أعظم عمل تطبيقي لقيام المجتمع الإِسلامي الصحيح. لقد كان المجتمع منظمًا تنظيمًا مستقلاً وثابتًا، وُضع أساسه بناء على حكم القرآن الكريم ((إِنَّما الْمُؤْمنُونَ إِخْوَةٌ)). وعن طريق هذا الحكم. أبعد الإِسلام امتيازات التفريق القبائلي والاجتماعي بنجاح كبير، ونُظّم المجتمع الإِسلامي على أساس الإِسلام فقط.