رسول الله لماشيته إن دلت فإنما تدل على أنه لم يكن معوزًا أو معسرًا بل كان ميسور الحال، وطبقًا لدستور العرب كان امتلاك ماشية الرعي دليلاً على الثروة والغنى.
ومن ناحية النقد التاريخي، فإن هذا الاستدلال أيضًا غير صحيح؛ لأنه حين أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفالة أبي طالب، لم يكن عقيل ولا على قد ولدا بعد بل ربما لم يكن لأبي طالب آنذاك أولاد، ومن هنا فلم يكن ثمة عبء في كفالة أحد.
ومن الصحيح أن العباس والنبي الأكرم كانا تحت رعاية أبي طالب، لكن من المعروف أن الرسول وعمه أبا طالب صارا من تجار مكة المعترف بهما، بينما في وقت وفاة عبد المطلب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره وكان العباس في الثانية عشرة وحمزة في العاشرة.
وهكذا فإن جميع محاولات المؤرخين هؤلاء إنما ترجع إلى رغبتهم في أن يسلبوا أبا طالب وأسرته شرف كفالة النبى.
وفي النهاية نقول إن واقعة سفر أبي طالب إلى الشام ومقابلته لبحيرا الراهب إن لم تدل على ما كان لأبي طالب من ثروة فإنها تعبر بصدق عن أنه كان ميسور الحال؛ لأن أيًّا من تجار مكة لم تكن لديه القدرة آنذاك على إرسال قافلة أو المضي بقافلة إلى الشام دون أن يكون صاحب ثروة كبيرة أو معقولة على الأقل.
قصة بُحيرا الراهب:
رغم أن المستشرقين ومن حذا حذوهم من المؤرخين ينكرون جميع وقائع السيرة الأولى أو يعتبرونها مجرد أساطير لا تاريخًا، إلا أنهم يذكرون واقعة أو