لقد وضح من التحليل السابق لحروب الردة أن الدولة الإِسلامية لم تتحول إلى معسكر أو مخزن للسلاح. وتحليل قوتها العسكرية يوضح أن عدد الجيش الإِسلامي كان لا يزيد عن 15 أو 20 ألفًا، ثم إن من بينهم جنود معظم المهمات، وهو ما أضاف إلى القوة العسكرية. فمثلاً إن الزيادة في عدد جيوش خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وشرحبيل بن حسنة كانت نتيجة لاشتراك جند المهمات، وبعدها فإن جنود القائدين الأخيرين قد زادوا في القوة العددية للمهمات والمرسلة إلى العرب الجنوبيين، وقد تجاهل المستشرقون هذه الحقيقة، وهي أنه في العهد النبوي لم يكن هناك جيش مستقل منظم، هذا بالإِضافة إلى أن أكثر المجاهدين المشاركين في المهمات كانوا قد عادوا إلى مناطقهم أو إلى قبائلهم بعد انتهاء تلك المهمات.
وتوضح بعض الروايات والمراجع والمصادر أنه في الدور الأول للخلافة الرشيدة على وجه خاص، وفي الفترات التالية بوجه عام، ظهرت قضية نقص عدد الجنود، وقد تعرضت بعض الجبهات لأزمات شديدة نتيجة هذا النقص. وقائد بني بكر بن وائل المثنى بن حارثة الذي يتهمه المؤرخون بتهمة قيامه بالهجوم العسكري على جبهة العراق، اضطر إلى أن يكتب عدة مرات إلى المدينة بسبب نقص الجنود، وفي النهاية اضطر إلى أن يأتي إلى المدينة. ولو سلمنا بنظرية الإِرساليات الحربية، واستنفاد الطاقة العسكرية الزائدة، فإن النتيجة المنطقية التي نستخلصها هي ألا يجب أن تكون هناك شكوى من قلة عدد القوة العسكرية، وكان يمكن السيطرة على هذه المشكلة بسهولة. ثم إذا كان الهدف هو استنفاد الطاقة العسكرية الزائدة، فقد كان يكفي فتح جبهة واحدة، إلا أن فتح جبهتين في وقت واحد، ومواجهة مشكلة قلة عدد الجند لا يمكن أن يكون دليلاً على بعد النظرة العسكرية، وهكذا فهذه النظرية بأكملها فريسة للتضارب، ولا تؤيدها الوقائع التاريخية أبدًا. صحيح أن بداية