ويزداد حنينه إلى الوطن، فيضطجع في فناء البيت، ويرفع عقيرته قائلا بعد أن تفارقه الحمى:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل1
إن حب الوطن قد أدى ببلال أن يعود بخياله إلى مكة، وأن يشعر بحنين زائد إلى أحيائها التي تربى بينها، وقضى شبابه بين ربوعها، فتمنى أن يقضي فيها ولو ليلة، ويمتع ناظريه برؤية جبالها ونباتاتها.
ويعلم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك فلم يلم بلالا على ما قال، ولكنه يرق لحال المهاجرين، ويقدر عواطفهم، ويدعو الله- عز وجل- أن يثبتهم على هجرتهم وأن يحبب إليه المدينة كحبهم مكة أو أشد2.
أفبعد هذا يقول قائل إن الهجرة فرصة للراحة من عناء التعذيب، أو وسيلة ترويح عن المضطهدين؟