شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة (?)، فجاء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! ، أقول لك ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: «أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك» فو الله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش (?)، وأمر أسامة بن زيد أن يَنفذ في جيشه، وسأله أن يترك له عمر - رضي الله عنه - يستعين به على أمره، فقال: فما تقول في نفسك؟ (?)، فقال: يا ابن أخي! فعل الناس ما ترى فدع لي عمر، وأنفذ لوجهك، فخرج أسامة - رضي الله عنه - بالناس وشيّعه أبو بكر - رضي الله عنه - فقال له: ما أنا بموصيك بشيء، ولا آمرك به، وإنما آمرك ما أمرك به رسول الله، وامض حيث ولاك رسول الله.
نفَّذ أسامة - رضي الله عنه -، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - حكيما موفقا في هذا القرار الصارم، وكان فيه من الخير: تقديس عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ عقد اللواء لأسامة - رضي الله عنه - ووجهه بجيش إلى الروم، ومن يجسر على حل أمر أبرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان هذا من فقه أبي بكر - رضي الله عنه -، فقد عظَّم الله ورسوله في هذا الإجراء، ولم يشك في نصر الله للمؤمنين، قال الزهري رحمه الله: من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله ساعة (?)، ومن شدة وثوقه بالله تعالى كان المنقوش على خاتمه «نِعْمَ اللهُ القادر» وقد حصل بهذا الاستقواءُ الذي أراده الصحابة - رضي الله عنهم - خير كثير، فإنه لما أنفذ أسامة - رضي الله عنه - بجيشه، جعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد إلاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا