استطاعت تلك المحاولات الشريرة في عهد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - أن تبث سمومها في الجسد الإسلامي، الشيء الذي جعل تلك السموم تنغر وتتفجر حينا بعد حين، ولم تكن أحداث الردة في عهد أبي بكر، إلا ومن مسبباتها الحقد على الإسلام، ولم يكن قتل عمر - رضي الله عنه -، وقتل عثمان - رضي الله عنه -، والخلاف بين علي - رضي الله عنه -، ومعاوية - رضي الله عنه -، وقتل علي - رضي الله عنه -، إلا من أسبابه الحقد على الإسلام، وبداية معاناة الجسد الإسلامي من تلك السموم، برزت بوضوح تام في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وما نتج عن الخلاف بينه وبين معاوية - رضي الله عنه -، من ظهور أول الفرق الخوارج، والشيعة؛ فإنه بظهور هاتين الفرقتين برز في الأمة الإسلامية، التفاوت في الفكر، فأخذت كل فرقة من الفرقتين تصنع فلسفتها للإسلام وفق متطلبات وجودها، دون سواها، وأصبح في ذلك الوقت تجزئة ثلاثية للجسد الإسلامي، مَن نهج نهج الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -، المهتدين بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أهل السنة والجماعة، والفرقتان الناشئتان: الخوارج، والشيعة، وفرقة الصوفية وليدة التشيع، هذه الفرق توجهت كل واحدة منها لوضع فلسفة للإسلام تجعلها قادرة على الصدّ والهيمنة على ما سواها ولو فكريا، بغض النظر في كثير من المواقف عن واقعية تلك الفلسفة، وقربها أو بعدها مما جاء به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وأفلحت في ضرب وحدة الاعتقاد التي ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها، وتمسك بها الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم -، ومن سوء هذا المسلك ظهرت الانقسامات، داخل كل فرقة، لأن المنطلق لم يكن شرعيا، وإن كان التشيع في بداية أمره لم يكن أكثر من مناصرة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، لكنه نحى به المغرضون بعد ذلك إلى الرفض، والتزوير والغلو في علي وذريته - رضي الله عنهم -، وكانت
محبة آل البيت - رضي الله عنهم - سلاحا فتاكا اقتحم به المزورون قلوب العامة البسطاء، والأمر مجرد رغبة في إيجاد فكر جديد، يناوئ ما كان عليه الخلفاء الراشدون ومنهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ومن هنا اسحقوا مقولة أبي عبدالله جعفر الصادق رحمه الله لما زعموا أن أهل السنّة سموهم الرافضة، ليستحلوا دماءهم، فشكوا ذلك إلى أبي عبدالله جعفر الصادق فقال: "الرافضة؟ ! " قالوا: نعم، فقال: "لا والله ما هم