فصار إلى القضاة ما كان إلى الخلفاء، ممن هاهنا عظم عظم موقف القاضي، ولم يول حتى تجتمع فيه الخصال الصالحة.

قال سحنون: وعلم القضاء غير غيره من العلم، قال مالك: كان الرجل يقدم من البلد إلى البلد، يسأل عن علم القضاء، وكان ابن عمر يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن أقضية عمر بن الخطاب، وأتاه قوم؛ فذكروا له أن لهم في يد رجل حوانيت، وأنه غلبهم عليها، فأعطاهم طابعا، فلم يأت معهم، وقال: أنا مريض، فأمر أن يعودوا إليه ببينة تشهد على عصيانه. إن عصى، فذهبوا إليه فاختفى في داره، وقيل لهم: إنه مريض، فصاحوا على من في داره من حيث يسمع: هذا طابع القاضي، أخرج إلينا، فلم يجبهم بشيء، ولم يخرج، فتأنى فيه أياما؛ ليختبر مرضه، ثم بعث إليه رسولا، فدخل عليه، فقال له: القاضي يقول لك: إن كنت مريضا، فابعث بشاهدين يشهدان أنك مريض/، وإلا فاخرج تخاصم، فقال: نبعث من يشهد بمرضي، ومطل بذلك أياما، ثم بعث إليه القاضي في ذلك يعذر إليه، أنه لا يؤخره أكثر من هذا، فأما بعثت بالبينة في يومك هذا، وإلا بعثت من يخرجك، فلما رأى ذلك هرب ليلا، فذكر ذلك للقاضي، فتبين له لدده، فأمر بعقل جميع ضياعه من دور وحوانيت، وأمر من يسكن الحوانيت بإخراج ما لهم فيها، ووخرهم ثلاثة أيام، فلما تفرغت، عقلها، وسد عقلها، فبقيت مغلولة حتى صح عنده هروبه، وأنه خرج من عمل الأمير محمد بن الأغلب، فلما صح ذلك عنده، أمر فحل العقل، وأمر خصماءه باحضار بينتهم على ما ادعوا، فسمعها، وكان في النظر في ذلك إلى أن مات رحمه الله، وكان إذا أتاه رجل يدعي عنده أرضا، ودارا، قال له: سم الموضع الذي ذلك فيه، فإن سماه، قال له: حد ما تدعي. فإن حده، سمع بينته، وإن لم يحده، لم يسمع منه، ولا من بينته وأقامه، ثم إن رجع إليه فقال له: اسمع دعواي سمع منه، ثم سأله عن الحدود، فإن حد ذلك، قبل منه، وأقاله رجوعه، وسمع بينته. [8/ 132]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015