وفي هذه السنة سار الإفرنج وحصروا مدينة حماة في جمادى الأولى وطمع الإفرنج بسبب السلطان بمصر وهزيمته من الإفرنج ولم يكن غير توران شاه بدمشق ينوب عن أخيه وليس عنده كثير من العسكر وكان توران شاه أيضاً كثير الانهماك في اللذات. مائلاً إلى الراحات. ولما حصروا حماة كان بها صاحبها شهاب الدين الحارمي خال السلطان وهو مريض واشتد حصار الإفرنج لحماة وطال زحفهم عليها حتى أنهم هجموا بعض أطراف المدينة وكادوا يملكون البلد قهراً قم جد المسلمون في القتال وأخرجوا الإفرنج إلى ظاهر السور وأقام الإفرنج كذلك على حماة أربعة أيام ثم رحلوا عنها إلى حارم وعقب رحيلهم عنها مات صاحبها شهاب الدين الحارمي وكان له ابن من أحسن الناس شباباً مات قبله بثلاثة أيام.
وفي هذه السنة قبض الملك الصالح ابن نور الدين صاحب حلب على سعد الدين كمشتكين وكان قد تغلب على الأمر وكانت حارم لكمشتكين فأرسل الملك الصالح إليهم فلم يسلموها إليه فأمر كمشتكين أن يسلمها فأمرهم بذلك فلم يقبلوا منه فأمر بتعذيب كمشتكين ليسلموا القلعة فعذب وأصحابه يرونه ولا يرحمونه فمات من العذاب وأصر أصحابه على الامتناع ووصل الإفرنج إلى حارم بعد رحيلهم عن حماة وحصروا حارم مدة أربعة أشهر فأرسل الملك الصالح مالاً للإفرنج وصالحهم فرحلوا عن حارم وقد بلغ أهله الجهد وبعد أن رحل الإفرنج عنها أرسل الملك الصالح إليها واستناب بقلعة حارم مملوكاً لأبيه اسمه سرخك.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة وفي هذه السنة طلب توران شاه من أخيه السلطان بعلبك وكان السلطان قد أعطاها شمس الدين محمد بن عبد الملك المعروف بالمقدم لما سلم دمشق إلى صلاح الدين ولم يمكن صلاح الدين منع أخيه عن ذلك فأرسل إلى ابن المقدم ليسلم بعلبك فعصي بها ولم يسلمها فأرسل السلطان وحصره ببعلبك وطال حصارها فأجاب ابن المقدم إلى تسليمها على عوض فعوض عنها وتسلمها السلطان وأقطعها أخاه توران شاه.
وفيها كان بالبلاد غلاء وتبعه وباء شديد، وفيها سير السلطان ابن أخيه تقي الدين عمر إلى حماة وابن عمه محمد بن شيركوه إلى حمص وأمرهما بحفظ بلادهما فاستقر كل منهما ببلده.