وفي هذه السنة توفي الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر صاحب الشام وديار الجزيرة وغير ذلك يوم الأربعاء حادي عشر شوال بعلة الخوانيق بقلعة دمشق المحروسة وكان نور الدين شرع يتجهز للدخول إلى مصر لأخذها من صلاح الدين وكان يريد أن يخلي ابن أخيه سيف الدين غازي بن مودود في الشام قبالة الإفرنج ويسير هو بنفسه إلى مصر فأتاه أمر الله الذي لا مرد له وكان نور الدين أسمر طويل القامة ليس له لحية إلا في حنكه حسن الصورة وكان قد اتسع ملكه جداً وخطب له بالحرمين واليمن لما ملكها توران شاه بن أيوب وكذلك كان يخطب له بمصر وكان مولد نور الدين سنة إحدى عشر وخمسمائة وطبق ذكره الأرض حسن سيرته وعدله، وكان من الزهد والعبادة على قدم عظيم وكان يصلي كثيراً من الليل فكان كما قيل:
جمع الشجاعة والخشوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب
وكان عارفاً بالفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وليس عنده فيه تعصب وهو الذي بنى أسوار مدن الشام منها دمشق وحمص وحماه وحلب وشيزر وبعلبك وغيرها لما تهدمت بالزلازل وبنى المدارس الكثيرة الحنفية والشافعية ولا يحتمل هذا المختصر ذكر فضائله.
ولما توفي نور الدين قام ابنه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين بالملك بعده وعمره إحدى عشرة سنة وحلف له العسكر بدمشق وأقام بها وأطاعه صلاح الدين بمصر وخطب له بها وضربت السكة باسمه وكان المتولي لتدبير الملك الصالح وتدبير دولته الأمير شمس الدين محمد المعروف بابن المقدم.
ولما مات نور الدين وتولى ابنه الملك الصالح سار من الموصل سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي وملك جميع البلاد الحزرية.
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة وفي أول هذه السنة اجتمع على رجل من أهل الصعيد يقال له الكنز جمع كثير وأظهروا الخلاف على صلاح الدين فأرسل صلاح الدين إليه عسكراً فاقتتلوا وقتل الكنز جماعة معهم وانهزم الباقون.