وإلا باعها ومنعها من بها حتى يأخذ النفقة ولا يدفعها إلى مدعيها بلا بينة فإن بين علامتها حل له الدفع بلا جبر. ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في (البحر): ولم أر ما لو صار اللقيط مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا انتهى، يعني إذا لم يعطه الإمام شيئا من بيت المال (وإلا) أي: وإن لم يكن لها نفع (باعها) القاضي، هذا الإطلاق قيده في (البدائع) بما إذا أقام البينة على الالتقاط وظاهر كلامه أنه لم يكن لها نفع إلا بإذنه بالأنفاق، وفي (الهداية) وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن في ذلك وجعل النفقة دينا.
قالوا: إنما يأمره بالإنفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكه فإذا لم يظهر يأمره ببيعها لأن دارة النفقة مستأصلة فلا نظر مدة مديدة انتهى، وإذا لم يكن ثمة نظر فينبغي أن لا ينفذ من القاضي أمره به كذا في (الفتح)، (ومنعها) أي: اللقطة (من ربها حتى يأخذ النفقة) لأنه حيي بنفقته فصار كأنه استفاد الملك من جهته فأشبع البيع ولا يسقط دين النفقة بهلاكها في يد الملتقط قبل الحبس ويسقط إذا هلك بعده لأنه يصير كالرهن ولم يحك المصنف في (الكافي) تبعا لصاحب (الهداية) فيه خلافة فيقهم أنه المذهب وجعل القدوري في (تقريبه) هذا قول زفر وعند أصحابنا لا يسقط لو هلك بعده، وعزاه في (الينابيع) إلى علمائنا الثلاثة.
واعلم أنه لا فرق في جواز منعها للإنفاق / بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدان بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما في (الحاوي) وقياس ما مر في النفقة أن له أن يحيل على ربها بغير رضاه كالزوجة إذا استدانت بالأمر، وفيه أن للقاضي أن يبيعها ويعطي النفقة من ثمنها عند حضور ربها وامتناعه من دفعها (ولا يدفعها إلى مدعيها) جبرا عليه (بلا بينة) يقيمها عند القاضي للخبر المشهور (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولو كانت في يد كافر فادعاها رجل وأقام على ذلك كافرين لم تقبل قياسا كما إذا كانت في يد مسلم وتقبل استحسانا ولو في يد مسلم وكافر قبلت على ما في يد الكافر (فإن بين علامتها) كعد الدراهم ووزنها والوكاء والوعاء (حل له الدفع بلا جبر) لخبر مسلم (فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووكائها ووعائها فأعطه إياها وإلا فاستمتع بها) حمل الأمر فيه على الإباحة جمعا بينه وبين ما روينا، ولو ادعياه وبينا علامة موافقة.