واختلف النحويون في {مِن} الثانية والثالثة:
فجعل بعضهم الثانية زائدة، فعلى هذا المعنى يكون التقدير: ينزل من السماء جبالا فيها من برد، و {مِن} في قوله: {مِنْ بَرَدٍ} لبيان الجنس، كما قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] . وقال بعضهم: الثالثة زائدة، والمعنى على هذا: وينزل من السماء من جبال فيها بردا، أي: وينزل من السماء بردا من جبال فيها، فهذا يدل على أن في السماء جبال برد، و {مِنَ} الثانية على هذا القول لابتداء الغاية، وهي مع {جِبَالٍ} بدل منقوله: {مِنَ السَّمَاءِ} بإعادة الجار، كما قال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَا} [الأعراف: 75] ، وهو بدل الاشتمال؛ لأن السماء تشتمل على الجبال، كما تقول: يعجبني شعبان الصوم فيه، أي: يعجبني الصوم في شعبان.
* * *
الحسبان والظن سواء، يقال: حسب يحسب بكسر السين وفتحها، يروى أن الفتح لغة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقرأ حمزة وابن عامر: {ولَا يَحْسَبَنَّ} بالياس وفتح السين، فـ {الَّذِينَ كَفَرُوا} على هذا فاعلون، والمفعول الأول ليحسبن محذوف، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين أو إياهم معجزين، وحسن حذف المفعول الأول لأنه هو الذي كان مبتدأ، وحذف المبتدأ جائز لدلالة الخبر عليه، نحو قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] أي: أمرنا حطة أو طلبتنا حطة، وكذلك: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: 21] أي: طلبتنا طاعة.
وقرأ الباقون بالتاء وكسر السين، فلا حذف على هذه القراءة؛ لأن الفاعل مضمر،