الجنون! فيغْسِل يده أَوْ وجهه مرّةً بعد مرة -حتّى يبلغَ العددُ إلى حدّ يَضِيقُ عنه الحصر- مع دلك شديد، وكلفة عظيمة، واستغراق للفكر، وهو يعلم بأنّ ذلك العُضوَ لم تُصبْه نجاسة مُغَلظَةٌ، ولا مخفَّفة، فلا يزال في تعب، ونصب، ومزاولة؛ لا يشك من رآه أَنّه لم يَبْق عنده من العقل بقيَّة، ثمَّ إذا فرغ من العضو الأَوّل بعد جهد جهيد؛ شرع في العُضو الثّاني، ثمّ كذلك، وكثير منهم من يَدخُلُ مَحَلَّ الطهارة قبل طلوع الفجر ولا يَخرُجُ إلا بعد طلوع الشمس فما بلغ الشيطان هذا المبلغَ من أحدِ من العصاة؛ لأَنه عذب نفسه في معصية لا لَذةَ فيها للنّفس، ولا رِفعةَ للقَدر، وصار بمجرّد مجاوزة الثلاث الغُسْلات -كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن تجاوزها-: " ... فقد أَساءَ، وتعدّى، وظَلَم"، فجمع له - صلى الله عليه وسلم - بين هذه الثلاثة أَنواع، ثمّ لم يقنع منه بهذا، حتّى صيرَه تاركًا للفريضة التي ليس بين العبد وبين الكفر إلَّا تركُها، كما ثبت في الحديث الصحيح عن جابرٍ بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بين الرجل وبين الكفر تركُ الصلاة"، أخرجه مسلم، وأَحمدُ، وأَبو داود، والتّرمذي، وابن ماجه.
وأَخرج أَهل "السُّنَن" وأَحمدُ من حديث بُريدةَ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"العهدُ الذي بينَنا وبينَهمُ الصلاة، فمن تركَها؛ فقد كفر".
وأَخرج الترمذيُّ عن عبد الله بن شَقِيقِ الْعُقَيلِيِّ قال:
"كان أَصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يَرَوْنَ شيئًا من الأَعمال تركُه كفر؛ غيرَ الصلاة".
فانظر كيف صار هذا الموَسْوِسُ -بنصّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -: مُسيئًا، متعديًا، ظالمًا، كافرًا؛ إنْ بلغ إلى الحدّ الذي ذكَرناه، فهذا باعتبار ما لَه عند ربه".
قال الفقير إلى عفو ربه: تارك الصلاة كسلًا فيه نِزاعٌ بينَ السَّلف والخَلَف؛ أَدناه: أَن عمله كُفرٌ.