ولم يعارضْ ما تقدَّم -مِنْ أَن دمَ الإنسان الكثِيرَ نَجِسٌ- إلَّا أَحدُ دَليلَين؛ وهما في حالةٍ خاصة:
الأَوّل: ما ورد عن عمر - رضي الله عنه -، "أنَّه صلى وجُرحُه يَثْعَب دمًا" (?).
أما أَثرُ عمر: فمن المعلوم أنَّه لا يمكِنُه الصلاةُ بغير هذه الحال؛ فهذه حالة ضرورة، ونظيرُها خروجُ الدّم من المستحاضة.
الثاني: قول الحسن البصريّ: "ما زال المسلمون يصلُّون في جِراحاتِهم" (?).
وأَما أَثر الحسن؛ فإنَّه في الجهاد، ومن المعلوم أَن الله خفف أَحكام هذه العبادة بمثل هذه الحال:
فقال -تعالى-: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (?).
وقال -تعالى-: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ (239)} (?).
ثمّ إنه قال -سبحانَه- في آيةٍ أُخرى -مِنْ سورة النساء-: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (?)؛ فهذا يعني: أَن الله -تبارك وتعالى- رخص للمجاهِدين تركَ بعض أَركان الصلاة في حالة الضرورة، ثمَّ أَمرهم عند زوالِها بإقامة الصلاة بجميع أَركانها وشروطها.
وهكذا الحال فِيمن صلى بجراحاتِه؛ فإنّه يجب أَن يحمل على ما تقدَّم، ثمَّ إن الماءَ لا يكون متوفرًا -غالبًا- في تلك الأَحوال؛ فهو مأْمور -والحالة هذه- أَن يصلّيَ بجراحاتِه.
الثالث: حديث عباد بن بشر الذي علقه البخاري -ويذكر عن جابر-: