إذا خالطتِ الماء -بجرمِها، أَو بريحها، أَو بلونها، أَو بطعمها- مخالطةً ظاهرة توجب ذلك الظّنَّ.
ولا شك ولا ريب أَنّ ما كان من الماء على هذه الصفة يَنْجُس؛ لأَن المخالطة إن كانت بالجِرم؛ فالمتوضئ مُستَعمِل لِعَيْنِ النّجاسة، وإن كانت المخالطة بالريح، أَو اللّون، أَو الطعم؛ فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجّحناه.
والحاصلُ: أنّهم إدن أَرادوا -بقولهم: إنْ ظُنَّ استعمالُ النّجاسة باستعماله؛ فهو القليل، وإدن لم يُظَن؛ فهو الكثير -ما هو أَعمُّ من عين النّجاسة، وريحها، ولونها، وطعمها: فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجّحناه؛ إلَّا من جهة أَنّ هؤلاء اعتبروا الْمَظِنّة، وأَهلَ المذهب الأَوّل اعتبروا المَئِنّة؛ ولكن لا يخفى أَن المظَنَّة إذا كانت هي الصادرةَ من غير أَهل الوسوسة والشكوك؛ فهي لا تكاد تخالف المَئِنَّة في مثل هذا الموضع، وإن أَرادوا استعمال العين فقط، أَو عدمَ استعمال العين فقط؛ فهو مذهب مستقلّ غير ذلك المذهب، ولكن الظاهر أَنهم أرادوا المعنى الأَوّل، ويدلُّ على ذلك: أنَّه قد وقع الإجماع على أنّ ما غيرَ لون الماءِ، أَو ريحَه، أَو طعمَه من النّجاسات؛ أَوجب تنجيسه.
-كما تقدَّم تقريرُه-، فأَهل هذا المذهب من جملة القائلين بذلك؛ لدخولهم في الإجماع، بل هو مصرح لحكاية الإجماع في "البحر".
فتقرر بهذا؛ أَنهم يريدودن المعنى الأوّل -أعني: الأَعمَّ من العين، والريحِ، واللّون، والطعم-؛ ثبوتًا وانتفاءً، وحينئذ؛ فلا مخالفة بين المذهبَيْن؛ لأَن أهل المذهب الأَوّل لا يخالفون في أَنّ استعمال المطهّر لعين النجاسة مع الماء؛ موجب لخروج الماء عن الطهوريّة؛ خروجًا زائدًا على خروجه عند استعمال ما فيه مجرّد الريح، أَوِ اللون، أوِ الطعم؛ فتأَملْ هذا؛ فهو مفيد.
بل مجموع ما اشتمل عليه هذا البحث في الجمع بين المذاهب المختلفة في الماء، وبين الأَدلة الدالّة عليها على هذه الصورة التي لخصتها ممّا لم أَقف عليه لأَحد من أَهل العلم، وهذِه المسأَلةُ هي من المضايِقِ التي