فزعمُ أن البخاري قد وضع لأحاديث هذا الكتاب ورواته شروطا: هي فوق المقاييس التى تعارف عليها النقاد حينئذٍ؛ زيادةً في الاحتياط والتحري: زعمٌ خالٍ من أي تحقيق أو تحرير.

نعم، يمكن أن تكون تلك المقاييس والضوابط بالنسبة لكثير من المتأخرين ممن شهروا هذا المعنى وأُشْربوه: فيها تشددٌ واحتياطٌ بالغٌ، لِبُعْدِ الهْوَّةِ -ليس بين البخاري وحده، بل- بين المتقدمين بعامة وبين المتأخرين في باب النقد.

ولا شك أن البخاري لمَّا كان على رأس مَن صنَّفُوا في الصحيح من المتقدمين، صار وصفُ منهجه بالمبالغة في الاحتياط والتحري: إفساحا للمجال أمام المتوسعين في التسامح مع النصوص، تخففا من ذلك الاحتياط المزعوم، فَصُنِّفَتْ لذلك كثيرٌ من الكتب الموسومة بالصحة وُلوجا من هذا المدخل.

هذه إشارة، وراجع تراجم: ابن حبان، والحاكم، والضياء المقدسي، من القسم الثاني من هذا الكتاب.

وقد عاد العوني فنقض ما ذكره من أن كتاب "صحيح البخاري" لا يصلح أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط على البخاري للسبب الذى ذكرناه عنه آنفا، بِرَدِّهِ على مَن زعم أن شرطَ البخاري المنسوبَ إليه شرطُ كمال، بمعنى أنه شرطٌ له في (الجامع الصحيح) لا في أصل الصحة، مع أن ما ردَّه هو من مقتضيات ما أكَّدَهُ قبل ذلك، لكنه فضَّل انتفاء هذا الشرط عن البخاري أصلا.

هذا من حيث الجواب العقلي على ما قاله العوني، أما الجواب العملي الخاص بنسبة هذا الشرط إلى البخاري بصفة عامة، فيأتي طرف منه في موضعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015