وهؤلاء لا يعنيهم ابنُ رجب فى قوله: "ويَرِدُ على ما ذكره مسلم: أنه يلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبى -صلى الله عليه وسلم-، بل هؤلاء أَوْلى؛ لأن هؤلاء ثبت لهم اللقي، وهو يكتفي بمجرد إمكان السماع"، وإنما يعني من كان وقت الرؤية بالغا، ولم يرد ما يدل على ثبوت السماع أو ما يدل على حضوره مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مصاحبته في سفر، أو نحو ذلك مما يمكن معه سماع شيء من حديثه.

وهذا مُتصور فيمن أسلم يوم الفتح، ولم يهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يمتنع أن يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا ذلك اليوم، وليست هناك دلالة على عدم السماع، ولم يرو ما يدل على نحو ما سبق، فيكون على قول مسلم حديثه متصل، وعلى قول مخالفه حديثه مرسل، ولو مع ثبوت الرؤية التى هى أبلغ من مجرد إمكان السماع، حتى يثبت السماع ولو مرة.

ومثل هؤلاء من قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وقد ثبتت رؤيتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجمع الغفير.

والمخالف لمسلم لا يرى ذلك كافيا في ثبوت سماعهم لغير ما سمعه عامة الصحابة في خطبة الوداع.

وكذلك مَن أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل الجزيرة، فقد عاصره، وأمكن لقاؤه له، لقرب دار بعضهم، ولم تقم دلالة على عدم سماعه منه. فهذا على قول مسلم هاهنا حديثه متصل، ومخالفه لا يرى ذلك كافيا، بل لابد من قيام دليل على لقائه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو سماعه منه ولو مرة.

فإذا قامت دلالة بينة على عدم اللقاء أو السماع، كقدومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما إلا أنه لم يدركه؛ لِوَفاته -صلى الله عليه وسلم-، فالجميع متفقون على أن حديثه مرسل.

وهذا الصنف الأخير من "المخضرمين" وقد ذكرهم مسلم فى طبقاته سردا، ولم يذكر لكل واحدٍ دلالةً على عدم سماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يكون اعتمد قولَ مَن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015