لَا يُقَال: بيد شيء شَيْءٌ إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْقُولٌ فِي القُلُوبِ أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الأَيْدِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَا نَفَيْتَ عَنِ الله يَدَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي يَدَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ لَهُ يَدَانِ، ثُمَّ قُلْتَ: بِيَدِ الله كَذَا وَكَذَا، وَخَلَقْتُ آدَمَ بِيَدَيَّ، وَلَا يَدَانِ لَهُ عِنْدَكَ، فَهَذَا مُحَالٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ. لَا شَكَّ فِيهِ، أَو سَمِّ شَيْئًا يُخَالِفُ دَعْوَانَا.
وَكَذَلِكَ الحُجَّةُ عَلَيْكَ فِيمَا احْتَجَجْتَ بِهِ أَيْضًا فِي نَفْيِ يَدَيِ الله عَنْهُ أَنَّهُ عِنْدَكَ كَقَوْلِ النَّاسِ فِي الأَمْثَالِ: «يَدَاكَ أَوْكَتَا، وَفُوكَ نَفَخَ»، وَكَقَوْلِ الله {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237]، فَادَّعَيْتَ أَنَّ العُقْدَةَ بِعَيْنِهَا لَيست مَوْضُوعَةً فِي كَفِّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الكَلَامِ.
فَقُلْنا لَكَ: أَجَلْ أَيُّهَا الجَاهِلُ هَذَا يَجُوزُ لِمَا أَنَّ المَوْصُوفَ بِهِمَا مِنْ ذَوِي الأَيْدِي؛ فَلِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْلَا ذَاك لم يَجُزْ، لَو لَمْ يَكُنِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَلَا لِلْمُوكِي وَلَا لِلنَّافِخِ يَدَانِ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي الأَيْدِي، كَمَعْبُودِكَ فِي نَفْسِكَ لم يجزأَنْ يُقَالَ: بِيَدِهِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لله تَعَالَى يَدَانِ بِهِمَا خَلَقَ آدَمَ وَمَسَّهُ بِهِمَا مَسِيسًا كَمَا ادَّعَيْتَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال: بيَدِه الخَيْرُ (?) {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} [الحديد: 29] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] لِلْمَذْهَبِ الَّذِي فَسَّرْنَا. فَإِنْ كُنْتَ لَا تُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ فَسَلْ مَنْ يُحْسِنُهَا ثُمَّ تَكَلَّمْ.
وَقَدْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: بَنَيْتُ دَارًا، أَو قَتَلْتُ رَجُلًا وَضَرَبْتُ غُلَامًا، وَوَزَنْتُ لِفُلَانٍ مَالًا، وَكَتَبْتُ لَهُ كِتَابًا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِك بِيَدِهِ بل أَمر البنَّاءَ بِبِنَائِهِ، وَالكَاتِبَ بِكِتَابِهِ، وَالقَاتِلَ بِقَتْلِهِ، وَالضَّارِبَ بِضَرْبِهِ، وَالوَازِنَ بِوَزْنِهِ